Tuesday 30 January 2018

انتهاء العاصفة

مرت الازمة...انتهت العاصفة...واستقر الجثمان!! توفى ابي...انتهى ألمه واوجاعه ومرضه العضال.
للمرض رائحة...وللموت شخوص! 
مفيش اي حاجة ممكن تجهزك لاستقبال خبر وفاة اعز شخص لديك...حتى لو كنت متاكد انه هايموت...بتكدب نفسك...في امل لسه...هايعيش ويقوم....هايقدر يتغلب على المرض...هانقدر نديله امل ليتمسك بالحياة اكتر...عقلنا يرفض دائما فكرة الوحدة...الصمت ذات الصفير....يرفض الواقع المؤلم!
انا بحب بابا اكتر ما بحب اولادي...وكانت دي حاجة غريبة...كل الناس بتحب اولادها اكتر من اي حد في الدنيا...انا بحب ابويا اكتر!
من طفولتي وتعلقى به كان غير عادي...لما كان بيسافر شغله كنت بامرض واخف اول ما ييجي بلا اي سبب...بحب اي اكل بيحبه...بكره اي مكان بيكرهه...بارفض اجرب اي هواية مش عجباه...مكنتش باقدر اخبي عنه حاجة...وكان هو يرفض فرض رأيه علي...كان عارف حجم حبي له...وفي مرة قالي "لازم تتفطمى بقى"...وقالها بغضب...كان خايف من تعلقي به تقريبا....فهو كان كل شيء...رحمه الله...كان راجل عظيم.
مش هاتكلم عن حب الناس له....كان له كاريزما متفرَدة...هيبة وشخصية ...كانت الناس بتحبه وبتحترمه جدا...وجوده في اي مكان يترك بصمة...اي مناسبة من غيره مكنش لها طعم...وغالبا اي تجمع عائلي كان بيتأجل حتى تسمح ظروفه للحضور.
انا البنت الكبيرة...واتربيت على تحمل المسئولية...وتحييد المشاعر في الظروف الصعبة...وكان ده صعب لانى مش راجل...حاول يترك بداخلي "العملية" واتخاذ القرار الصائب وإن كان ضد مشاعري وميولي.
ومفيش اصعب من الموقف اللى انا فيه...ده كان الكابوس اللى بخاف منه طول عمري من طفولتي...كنت باروح وسط الليل اراقب تنفسه من رعبي من فكرة فقدانه...وكنت بخاف جدا يعدى يوم من غير ما اشوفه...كل مرة امشي من بيته بخاف تكون اخر مرة...عقدة حب الاب!! 
كان ممكن يكون ده اصعب مقال واكثره حزنا...ولكن كانت روحه جميلة يكره الحزن والسواد...وعايزة يكون المقال ايجابي (حتى وان كانت الايجابية والتفاؤل دفنا معه!)
دايما بيتنا كان مفتوح لاي زائر في اي وقت...تجمع رمضان كل سنة ....كانت العيلة كلها بتنتظر اليوم ده...وعارفين انه اجمل يوم في رمضان...كان بيشرف على السفرة بنفسه...وكل سنة كانت نفس المخاوف "الاكل قليل" رغم ان امى كانت تطبخ لضعف العدد المنتظر حضوره...كان كريم جدا في بيته...يعشق ضيافة الناس...بيحب كل الناس...وحقيقي كانت الناس كلها بتحبه جدا.
من حوالي سبع سنين انا واختى بنعمل له عيد ميلاده...نجمع اخوته وابنائهم ونقيم له حفلة جميلة تفرحه.
مش عايزة اتمسك بفكرة انه مات...انا عايزة اتمسك بفكرة انه عاش حياة حلوة كلها ناس بتحبه وناس بتتمنى له السعادة. لبابا اخوات ذكور واناث...وهو الابن الاوسط...فحب اخواته الكبار له عظيم...وحب اخواته الاصغر كبير جدا وتعلق شديد...ميزه الله بوجه جميل وشخصية جذابة ولسان حلو واراء صائبة وروح خفيفة مرحة...في اي تجمع لما نسع ضحك نعرف ان بابا وسط المجموعة دي...لو حد عنده اي مشكلة كان بيستشيره...كان بير اسرار...ومستحيل يطلع سر منه ابدا. كان له شيئ مميز مع كل شخص في العائلة...كل واحد كان يشعر انه مميز عند بابا...كان عبقري اجتماعيا...وكان بجد بيحب كل الناس دي بعمق...وربطه بكل شخص فيهم (حتى احفاد اخوته) علاقة خاصة لها لون مختلف.
ربنا كرمه بعقل راجح وذكاء حاد...كان في منتهى الذكاء...وكان شديد التقرب من الله...يحب الوسطية ويكره التعصب والتشدد...يحب البهجة والحياة ويحب العبادات وفعل الخير...كانت الناس تبكى بشدة في جنازته...دعواتهم من القلب...حب عميق وفقدان حقيقي.
ربنا كرمه لحد ما اطمأن ان بناته في بيوتهم مع رجالة محترمة...ربنا اداله العمر لحد ما شاف كل احفاده...وحفيده الكبير نسخة منه في الشكل والميول وبابا تعلق به...ربنا يجعله راجل جميل زي جده. عمره ما اعترض على خلفة البنات...ربنا اعطى له بنات...ولكنه ربى رجالة...واحنا كمان عمرنا ما عملنا له توتر في حياته...ولا قلق في نومه...كنا دايما بنفرحه قدر امكاننا...فكانت اختى متفوقة دراسيا جدا وكان فخور بيها...وانا كان ليا تميز اجتماعي وقدره على احتواء المشاكل وكان مبسوط بكده...احنا الاتنين حاولنا جاهدين اسعاده هو وامى...كان دايما احفاده معاه...يسعد بهم ... يعذبوه بالزن شوية...يتدلعوا عليه...علم ابني حاجات كتير جدا...واثار فضوله بتجارب بسيطة شغلت مخه الصغير...كان لهم عالمهم الخاص...لقيت ابني حافظ كتير من اوبريت الليلة الكبيرة مثلا...اغانى قديمة من التراث السحيق ...علمه القراءة قبل اوانها...والكتابة...وتبنى حفيده دراسيا...وغرس فيه ضرورة حفظ سور القران.
عاش حياة مليئة بحب الناس له...وكان عارف قدره في قلوبهم...وكان بيسعد جدا في اي مناسبة من كتر اهتمام الناس بمعايدته وتهنئته...كان له ضحكة مميزة...نبرة صوت مريحة للاذن...وكانت تغلف قلبي بالدفئ والاطمئنان...رحمه الله...كان بجد شاغل حياتي بكل حاجة حلوة...واحتوى مشاكلي التافهة باهتمام...كان يكره الانفعال العاطفي...والتسرع...وردود الافعال المندفعة...حاول كثيرا وكثيرا ربط زمام ردود افعالنا في المواقف المختلفة...كان (وسيظل) قبلة التصرف الصائب. 
عذبه المرض كثيرا...ولم تنقطع "الحمد لله" عن لسانه...وفي شدَة مرضه قالي "ربنا متًعنى بصحة 70 سنة...الحمد لله...اللهم لا اعتراض"....كان راضى جدا بامر الله...وكان يردد ايات القران في نومه...وفي المه...كل يوم...كان بيهون عن نفسه الالم والمرض والضعف. 
ارحمه يا رب...اجعل مثواه الجنة...ادخله فسيح جناتك...نوَر قبره...صبر فلوبنا واربط عليها...فكان انسان جميل مؤمن ومحب لك ولاهل البيت.

ريم اسامة