الفصل
التاسع
مر يومان ومرام باقية بالمستشفى وتم أجراء
حراجة صغيرة لمعالجة قدمها. لم يزرها عمرو خلال هاذان اليومان ولكن ذهب لزيارتها
مساء اليوم التى أجرت فيه العملية. جلب معه هذه المرة علبة شيكولاتة فاخرة وغالية
جدأ. تأكد من الام انهم سيكونون عند مرام بالمساء...لم يخبرها انه سيذهب ولكن عرف
منها أنهم سيكونوا هناك. ذهب فى حوالى الساعة السابعة أيضاً.
-
"السلام
عليكم" قال عمرو عند دخوله الحجرة وكان بابها مفتوحاً.
-
"اهلا
وسهلا" ردت مرام من الداخل.
- "ازيك؟ صحتك عأملة ايه دلوقتى؟" لاحظ انها وحدها هذه
المرة أيضاً.
- "كويسة!"
- "الحمد لله. اتفضلى" اعطاها العلبة.
- "متشكرة جدا. انا بحب الشيكولاتة دى اوى"
- "(ضحك) طيب كويس انا مكنتش عارف اجيب نوع ايه"
- "بجد مكنش فيه داعى للتعب ده خالص"
- "ان شاء الله تقومى بالسلامة وترجعى البيت"
- "شكراً يا عمرو". مرت دقيقتان لم يعرف ماذا يقول ولم
تعرف ماذا تفعل. ففتحت العلبة وعزمت عليه منها. وفى هذه الوقت جاء الطبيب المعالج
لها. كشف على قدمها وأعطى بعض التعليمات للممرضة وفى هذه الاثناء رأى عمرو الأوراق
الموضوعة بجانب سريرها, بعد خروج الطبيب سألها:
- "انتى بتكتبى قصة؟" شاور على الأوراق بجانبها.
- "لأ! دى مذكراتى!" قالت فى صوت ضعيف لا يسمع كأنها خجلة
من كتابتها أياها.
- "بجد؟ انا كمان بكتب مذكراتى! يومياتى...بحاول أعملها يوميا
بس صعب...أحياناً اليوم مبيكونش فيه حاجة تتكتب. أنتى بتكتبى أحداث اليوم
بتاعك؟" فتح عمرو مثل هذا الموضوع لأنه لم يعرف اى موضوع من اللائق ان يفتحه
معها...كان يعلم انه من عدم اللباقة ان يسأل مثل هذا السؤال الشخصى ولكن لم يكن
لديه شئ آخر ليقوله.
- "لأ! انا بكتب أنعكاساتى عن الحياة! الحياة من عينيى انا ومن
وجهة نظرى! وانا اليوم بتاعى مفيهوش حاجات كتير علشان تتكتب...انا بكتب تطور
عواطفى...مش تطور الحياة!"
- "معتقدش ان الحياة بتتطور...أحنا بنختلف بس الحياة بتكون زى
ما هى" قال عمرو مجادلاً.
- "لا! الحياة هى اللى بتختلف واحنا بتكون زى ما احنا! جايز
احنا كمان بنختلف بس الحياة بتتغير أسرع مننا"
- "الحياة ملهاش عقل تفكر بيه علشان تتغير...الدنيا زى ما هيا
بس احنا اللى بننظرها بطريقة مختلفة عن بعض. يعنى انا مثلاً ممكن أشوف وردة تعجبنى
وأشوف أجمل حاجة فيها لون ورقها, وفى نفس الوقت ونفس الوردة ممكن حد تانى يشوفها
يعجبه ترتيب الورق على بعض وشخص ثالث ما يقدرش يشوف غير عدد الشوك اللى فى ساقها!
الوردة ثابتة بس اللى بينظرها مختلف وبالطريقة دى بنختلف مع بعض وعن بعض ومشاكل
بتحصل وحروب بتقوم...مع ان الحاجة واحدة بس احنا اللى مختلفين. ممكن انا بعد سنين أشوف
وردة زى اللى عجبنى لونها وماشوفش فيها غير لون الساق الاخضر...ممكن تحرك فيّ شئ
بس لأنها بتفكرنى بشبابى لان زمان كانت الوردة بتمثل لى قيمة...ممكن أكون فاقد
للقيمة بعد كده بس هى حفرت صورتها فى عقلى"
- "انت انسان متفائل زيادة عن اللزوم!" قالت مرام باشمئزاز.
- "ممكن تكونى انت المتشائمة!" جادلها عمرو بلا ان يفقد
حماسه فى المناقشة.
- "جايز!" اوشحت وجهها الجهة الأخرى ولمعت دمعة فى عينها
ولم يلحظها عمرو.
- "على العموم انا مش هازعجك أكتر من كده وأسيبك بقى تستريحى.
السلام عليكم"
- "سلام!"
بعد خروج عمرو شعرت مرام بفراغ كبير
حولها فى الحجرة...شعرت كأن حجرا أخذ موضعا فوق كتفها وصدرها...احست ان بركاناً من
الغضب ينفجر داخلها! كلام عمرو لم يكن به الكثير ولكنه نكأ جراحاً اندملت منذ زمن
طويل! الورود لها الكثير من المعانى...كانت تشعر وهى مع فريدريك ان جميع الزهور
تضحك وقطرات الندى على أوراقها هى دموع من فرط السعادة والضحك...عندما كان يهديها
وردة كانت تحتفظ بها بعد تجفيفها فى صندوق خشبى مخصص للزهور المهداه اليها
منه...كانت كلما تشاجرت معه تفتح صندوق الزهور وتكون دقائق فقط وتتصل به لتصالحه.
اما الان فهى تنظر الى الزهور على انها جثث!
فكرت فى كلام عمرو وحماسه وهو يتكلم
وحركات يديه وتعبيرات وجهه وهو يدافع عن فكرة الحياة وشعرت بالخجل من نفسها
العقيمة العجوزة الهرمه. تمنت ان تكون فى حماس عمرو ولكن تسائلت هل سيكون بهذا
الحماس ان كان فى مكانها ومشلول مثلها بلا حب للحياه او اى بارقة أمل!
تعبت مرام من كثرة التفكير وكرهت تدفق
الذكريات اليها فطلبت من الممرضة احضار منوم قوى. نامت مرام وفى خيالها الكثير من
الصور البالية من الماضى وصور باهتة لمستقبل عديم اللون!
أيامـــى
ذهبت
لزيارة مرام اليوم. يالها من تعسة تلك الفتاه المسكينة! أعتقد ان عقلها به الكثير
من الصور المظلمة للحياة...لم نتكلم كثيراً ولكن يبدو انها لا تنظر للدينا منظار
الحق. انا على يقين الأن أنها فقدت الحركة نتيجة حادث او شئ كهذا...قالت ان الحياه
هى التى تتغير ونحن لا نتغير ولكنى خالفتها الرأى...وعندما عارضتها وقلت انها ربما
تكون متشامة فغضبت منى...او هكذا شعرت انا. يا ترى ماذا تكتب فى مذكراتها؟ وما هى إنطباعها
عن الحياة؟ ماذا تكتب تلك الفتاه؟ ربما تكتب عن شعورها بالكئابة الدائمة او
تفكيرها فى التخلص من روتين حياتها او تتمنى على الورق ان ترجع تتحرك كما كانت من
قبل.
عندما
رجعت اليوم وأجتمعت مع الاسرة على العشاء لاحظت بضعة صور معلقة على الحائط للاسرة
وبعض الأصدقاء. يوجد صورة لمرام وهى فى حوالى الخامسة عشر وكانت فوق حصان! اذن
فقدت فعلاً الحركة ولم تولد كذلك. ولكن متى شلّت؟ فى اى سن؟ أشعر بغموض هائل حولها
وأريد فك رموز سكوتها وانزوائها الدائم.
-----------------
مذكرتى العزيزة
مساء
الامس زارنى الغريب مرة أخرى واعطانى هذه المرة شيكولاته. انها من نوع غالى جدا
ولكنى لم ارد ان أشعره بانها غالية...لا أعلم لماذا لم أقل له انها هدية رائعة
وغالية. ربما لأنى أستحق ما هو أغلى!!! ام لانى لا أشعر برغبة فى وجوده؟ لا أعلم!
يبدو انى أعلم القليل جداً هذه الأيام...جميع تصرفاتى لا أعلم لها تفسير ولا ارى
لها بدّ اصلاً! ربما يوماً ما ساقتل جميع الشكوك لدى وادفنها بجانبى فى قبر واحد!
وجد
اليوم اوراقى هذه بجانب السرير وأعتقد الغريب انى أكتب قصة ولكنى أخبرته انها مذكراتى
وقال انه يكتب يومياته. هناك الكثير ممن يخلطون الاثنين...المذكرات شئ واليوميات
شيئا آخر تماماً. انا أكتب مذكراتى حتى أتذكر انى يوما ما كنت احيا ولدى رغبة فى إخراج
القليل لدىّ وأجعل من حياتى التافهة العقيمة السطحية معنى...مثل الان...أكتب ان
شخصاً زارنى وجاء لى بصندوق شيكولاتة وتجادلنا ان كانت الحياة هى التى تتغير ام
الانسان! منتهى السطحية والسخافة! الاثنان يتغيران او لا يتغير اى منهما...ما
الفرق؟ ما معنى هذه المناقشة وماذا ستغير فى مصيرى او مصيره؟ لا شئ! سخافة! كل شئ
فى حياتنا سخيف بدءا مننا نحن شخصيا...من نحن؟ لماذا نعيش؟ لماذا نتصادق...لماذا
نجادل....لماذا نحب....لماذا نفرح...لماذا ننام...لماذا نأكل...لماذا
نسافر...لماذا نحيي؟؟؟!!!
ربما
تكون حياتى انا بلا معنى...ربما يكون لها معنى ولكن لا يعجبنى او من الممكن ان
تكون حياتى هى الجلوس هنا لمراقبة البحر!! يا لها من حياة...
على
أى حال اليوميات الخاصة به مختلفة...وسطحية أيضاً! من يكون هو ليكتب يومياته؟ ماذا
يحدث بيومه ولا يريده ان يذهب من ذاكرته؟ ماذا يمكن ان يحدث فى عمره كله وله قيمة
ومن الممكن ان يغير خط من خطوط الحياة؟؟ لا شئ!! يا له من متفاخر زلق!!
مر ّيومان وخرجت مرام
من المستشفى ومعها الكثير من الأدوية والأكثر من النصائح حتى لا تتعرض قدمها او اى
مكان آخر للأصابة مرة أخرى. كانت نالا تزور مرام يوميا بالمستشفى وهى من أصطحبتها
للمنزل. كانت الساعة حوالى الثانية ظهراً عندما وصلتا المنزل, لم يذهب لإحضارها أى
من أسرتها...فقط صديقتها...فقد كانت هذه رغبة مرام. فى الطريق للمنزل عرضت نالا ان
يذهبا للشاطئ او تناول الغداء بأى مطعم ولكن مرام رفضت جميع هذه الاقتراحات وآثرت
الذهاب لمنزلها...او بمعنى آخر حجرتها!!
كانت الام واخيها فى
انتظارهم بالمنزل, تناولوا جميعاُ الغداء وذهبت نالا لمنزلها واخيها خرج وخرجت
الام للقاء بعض الصديقات بجمعية خيرية مشتركة بها وخلا البيت على مرام...لم تسنح
لها الفرصة منذ زمن طويل للانفراد بنفسها بالمنزل. كان هناك دائما شخصاً بالبيت,
لم تعرف قيمة المكوث بالمنزل وحيدة...كانت مرام تؤثر الوحدة عن الإختلاط. تجولت
بالمكان وظلت تنظر لحوائط الحجرات الواحدة تلو الأخرى. دخلت من الباب الأمامى
والباب الخلفى عدة مرات كأنها تتذكر وتختبر المداخل والمخارج. دخلت المطبخ وفتحت
الثلاجة وظلت أمامها برهة. فتحت أدراجها وفحصت كل شئ بداخلها وفى النهاية أخذت
علبة عصير واغلقتها...لم تكن تريده ولكن شعرت بأنها تريد ان تأخذ اى شئ. خرجت من
المطبخ وتوجهت لحجرة الطعام. فتشت جميع الأدراج والضلف بها...رتبت بعض أدوات
الطعام بالأدراج. دخلت الحجرات الأخرى ورتبت بها أشياء لم تكن تحتاج لاعادة ترتيب.
وبعد ذلك ذهبت للطابق الأعلى ودخلت حجرة المعيشة ونظمت بها أشياء كثيرة مبعثرة بإهمال...بعض
الأسطوانات والشرائط...بعض المجلات والجرائد الملقاة على الأرض. أعادت كل شئ
لمكانه, فتحت الستائر عن آخرها وذهبت لحجرتها ولكن حجرة الغريب أوقفتها كأنها نست أن
لها وجود اصلاً. حدقت قليلاً بالباب وفكرت فى ان تدخل وتنظمها أيضاً ولكن هل من
المعقول ان حجرة الملائكة بها اى شئ مبعثر؟ هل يمكن لحجرة الصفاء والنقاء ان
يشوبها اى شئ؟ الفضول الأعمى زحف على عقلها وشغفها لرؤية الغرفة أسرت قشعريرة فى رأسها...كانت
على وشك ان تفتح الباب عندما سمعت صوت اقدام على السلم, لم تسنح لها الأقدام
الفرصة بان تختبئ بغرفتها...لقد كانت الخطوات سريعة...أسرع من حركة كرسى مرام
الكهربائى...كانت أقدام عمرو...عرفتها مرام قبل ان تتحقق منه. كان يبدو عليه
التعجل ولكن عندما رئاها توقف تماماً وتفرس بها قليلاً وقال:
-
"ايه ده؟ انت
خرجت من المستشفى؟ حمد الله على السلامة!" كان بالفعل فرح جداً برؤيتها والتى
لم يكن يتوقعها.
-
"خرجت النهاردة!"
قالت وهى خجله كأنه رئاها فى حجرته.
- "نورتى البيت...المكان كان وحش اوى من غيرك" قال
وابتسامة عريضة تعتلى وجهه.
- "شكراً!" لم تعرف كيف ترد عليه او ماذا تقول.
- "وانت صحتك عأملة ايه دلوقتى؟ رجلك احسن؟"
- "انا كويسة دلوقتى"
- "الحمد لله"
- "..."
- "انا عارف ان ده مش وقته بس ممكن اسألك سؤال؟"
- "اسئل!" قالت مرام وهى تحاول إخفاء شغفها مما سيقول...لم
تتوقع ان يشعر الغريب برغبة فى معرفة أى شئ منها.
- "أنتي ليه مش بتقولى 'الحمد لله' ؟"
- "نعم؟" بهتت مرام...لم تخمن ان يكون سؤالا كهذا.
- "انا لاحظت أنك مبتقوليش الحمد لله خالص...لما بسئلك عن صحتك
او اى حاجة مبترديش بيها"
- "عادى...كل واحد ليه طريقة فى الكلام"
- "بس ذكر الله ملوش دعوة بطريقة الكلام!"
- "يعنى ايه؟"
- "يعنى لما تحمدى ربنا ده ملوش علاقة بطريقة أو شكل كلامك وأختيارك
لألفاظك أو كده"
- "انا متعودتش أقول الحمد لله!" جادلت مرام محاولة إخفاء إحراجها
من الموقف.
- "انا مقصدش انى أتدخل او أكون سخيف معاكى بس لازم تتعودى
تذكرى الله او على الأقل تحمديه على كل شئ"
- "أحمد ربنا على انى مشلولة؟!" قالت مرام بحدة لم يتوقعها
عمرو.
لم يرد عليها برهة لإستيعاب ما قالته لتوها...لم يتوقع إجابتها
إطلاقاً.
-
"طبعا لازم
تحمدى ربنا على كده" قال عمرو ونبرة اليقين ترن فى صوته.
-
"انت لو كنت
مشلول وعارف إحساس العجز اللى عندى مكنتش قلت كده" قالت مرام بحدة.
- "وقبل ما ربنا يبتليكى كنت بتحمديه على الصحة؟" حاول الّلا
يكون حاد حتى لا ينفرّها.
- "على العموم أتفضل شوف أنت كنت رايح فين...انا مش فاضية
للمناقشات دلوقتى" تركته مرام ووجهها أحمر خجلاً. دخلت حجرتها وشعرت بالحوائط
تنضم على بعض وتخنقها وتعتصر عقلها وجسدها النصف حىّ.
مذكرتى العزيزة
خرجت لتوى من المستشفى, فضلت ان تأخذنى
نالا بسيارتها...لا أشعر بالراحة والهدوء مع أفراد عائلتى. كنت وحدى اليوم وأستمتعت
جداَ بوحدتى بمكان أكبر من غرفتى. وقابلت الغريب وشعرت بمدى سخافته! كلمنى عن
طريقة كلامى...لا شأن له بطريقة كلامى واختيار الفاظى ذلك الكريه البغيض! ألا
يكفيه انه يتطفل على حياتنا؟ أيريد أيضاً ان يتدخل فى طريقة كلامى؟
قال لى اليوم انى يجب ان أقول
"الحمد لله" فى كلامى!! ما شأنه هو بما أقوله؟ ولماذا أحمد الله على
الشلل على أى حال؟ الله فعل بى ذلك أأشكره على الإعاقة بينما أقرانى أصحاء؟!! ما
الذنب الذى اقترفته لأشل؟ ماذا فعلت بحياتى القصيرة لأستحق ان أصبح قعيدة وانا فى
مستهل العمر؟ وما هو الاذى الذى من الممكن ان أسببه وانا بكامل صحتى؟ وكيف أشكره
على شئ لا أشعر به؟ أعلم بان قدمى بها شئ خطير ولكنى لا أشعر بها...قيل لى ان أقلبها...حتى
إن قالوا أن أقطعها فلن يفرق معى ذلك كثيراً!
هل اشكر الله على الأصابة بالموت الجسدى وأنا فى بداية العمر؟ وهل أشكره لأنه أصابنى
فى مقتل من حيث ميقات أصابتى؟ على أيً شئ يتكلم هذا الغريب المتفائل؟
يبدو أن إقامته هنا ستخنق حياتى أكثر...حجرتى
أصبحت كالقبر...انها تضيق يوما بعد يوم...الشباك المطل على البحر يصغر كلما نظرت
له...هل حقاَ الحجرة تصغر ام ماساتى تكبر ولا تسعها أربع جدران وجثة؟!
الفصل
العاشر
فى
اليوم التالى ذهبت نالا لزيارة مرام ومحاولة أخذها فى نزهة خارج حجرتها الكئيبة.
قابلت نالا عمرو بالطابق السفلى. ألقت عليه التحية وكانت أول مرة تقابله, اومأ برأسه
بأدب تحية لها ولم يتفوه ببنت شفه, ونظر لكتاب كان بيده ولم ينظر لها مرة أخرى.
-
"على فكرة يا
ميرو...انا شفت عمرو تحت!" قالت نالا وبصوتها إنبهار.
-
"وايه يعنى؟ ايه
الاهمية فى كده؟" قالت بإشمئزاز.
- "ده شكله شخصية على فكرة"
- "يا سلام؟ وانت عرفتى منين بقى؟ أتكلمتى معاه؟"
- "لا! بالعكس ده حتى مردش السلام بكلمة...هز رأسه بس"
- "بقى ده شخصية؟ ده بيحتقرك...ازاى تقولى على واحد مردش عليكى
فى أول مرة تقابلوا بعض فيها انه شخصية؟ انتى اللى هايفة على فكرة"
- "انت أللى مبتحبيهوش بس"
- "وانا هاكرهة ليه يعنى؟ عمل لى ايه؟" دافعت مرام عن
نفسها وشدت عودها فى حركة إستعدادية للقتال, نالا لاحظت ذلك ولم تكن مستعدة لأى
مجادلة او مشاداه بينهما...حالة مرام لا تسمح بذلك.
- "طيب ياللا بقى نخرج...تعالى حتى نروح وراكم هنا" شاورت
نالا فى اتجاه البحر.
- "انا مش عايزة أخرج"
- "يا ميرو علشان خاطرى لازم تيجى...إحنا مش هانبقى مع اى
حد...هانكون وحدنا...انا وانت ودياموند"
- "وايه اللى جاب دياموند؟"
- "انا! انا بحبه جداَ...والفسحة معاه ليها طعم تانى" قالت
نالا بنفاذ صبر.
- "طعم تانى مع كلب؟ انت مجنونة؟" استنكرت مرام الفكرة جداً.
- "على الأقل الكلاب بتكون أحسن من أصحابها فى أوقات
كتير...وبعدين انت معندكيش وفاء خالص...ده بتاعك يعنى المفروض أنك تحبيه أكتر
منى"
- "ده حيوان...وايه معنى انى أحب حيوان؟"
- "مش حكاية حيوان او انسان...الموضوع كله موضوع وفاء"
- "وفاء؟ يعنى لما اشترى كلب ومش عايزاه يبقى معنديش
وفاء؟" رجعت مرام لحدتها مرة أخرى.
- "دياموند مش اى كلب...ده صديق. ده بتاعك من أيام
المدرسة...ازاى تكرهيه كده؟ وده معناه انك ممكن تكرهينى انا كمان فى يوم من الأيام"
عارضتها نالا بعنف.
- "ازاى تقارنى نفسك بكلب؟ انت ليه بتقيسى نفسك بأشياء عديمة
القيمة؟ لازم يكون عندك ثقة أكتر من كده فى نفسك" استفزتها مرام.
- "ثقة فى نفسى؟ انت لازم تشوفى نفسك الأول قبل ما تتكلمى عن
غيرك. انا عندى ثقة فى نفسى...وانت كان زمان عندك برده...بس خلاص...انتى دلوقتى
بتستمدى ثقتك بنفسك من عطف الآخرين عليكى...انت بتستمدى قيمة نفسك من الإشفاق اللى
حولك...انت مبتسمعيش غير صوتك انت وعايزة الكل يكون ورائك...وفى نفس الوقت مش
عايزة الناس تتعامل معاكى على انك عادية...انت معندكيش اى وفاء لاى حد ومحدش فى
حياتك ليه قيمة... انت مكنتيش كده ومش هاترجعى زى الاول...انت الحاجة الوحيدة اللى
ممكن يكون ليها قيمة فى حياتك هى الادوية اللى بتاخديها كل فترة" انفجرت نالا
فى وجه مرام.
كانت كلمات نالا
كالحمم فى وجه مرام, إنها ترفض الأعتراف بالعطف عليها...انها تكرهه...تمقته...ترفضه.
ثقتها بنفسها أختفت يوم الحادث...أى شعور لديها بقيمة النفس تلاشى مع أرتطام
السيارة...أى شعور بالرضا تبخر يوم إستيعابها لفكرة الجلوس قعيدة. شعور عميق
بالمرارة والألم والتحطم تدفق داخلها ولم تستطع مقاومة دموعها...بكت دموعاً
حارة...دموعاً أودعتها لمدة طويلة وكبريائها منعها من التدفق...كانت دموع الحسرة
والصدمة وإستيعاب الواقع بأشواكه...كانت دموع شبابها الضائع ومستقبلها المفقود...دموع
الأمل المنطفئ وسراب الحياة.
نظرت لنالا كما لم
تنظر اليها من قبل...نظرت اليها ولم تتخيل ان طيلة هذه المدة كانت تشفق عليها,
كانت نالا بالنسبة لمرام الصديقة الوحيدة فى حياتها...كانت الحقيقة...كانت الصورة
الوحيدة السليمة من ماضى جميل...كانت القيمة الوحيدة الغير متحطمة لديها...كانت
الصخرة الراسخة الوحيدة فى حياتها...والان أدركت مرام ان كل الصداقة التى اودعتها
فى شخص واحد لم تكن الا عطف واشفاق ملثمين فى ثوب زائف! نظرت مرام لرفيقتها وشعرت
بأن اللون الوحيد فى الحياة لم يكن إلا إنعكاس من شعاع مات فى الماضى...شعرت
بنفسها تنكمش بداخلها...جاء بمخيلتها كل المرات والزيارات الانهائية من رفيقتها
وشعرت بنفسها تتضائل من فرط الغباء الذى كانت عليه...عاصفة من الصور والكلمات قامت
بذاكرتها وأطاحت رأسها بالمعنى الجديد لعلاقتها بنالا.
نظرت نالا لمرام وشعرت
بخنجر يغمض فى صدرها لما قالته, كانت نالا سريعة الغضب وكثيراً ما سيطرت على نفسها
حتى لا تجرح مرام بكلمات لا تقصد بها إلا المضايقة والأستفزاز. رنت كلماتها
الاخيرة الف مرة فى رأسها ولم تتخيل أنها بالفعل قالتها. اعتصر قلبها وأنتفضت أحشائها
لما قالته...كانت تعلم أن كلماتها سحقت كبرياء صديقتها...كانت تعرف انها الوحيدة
فى حياة مرام ومع ذلك لم تسيطر على لسانها, كانت تعلم نقطة ضعف صديقتها ومع ذلك
ضربتها فى مقتل. لم تتمالك هى أيضاً دموعها...دموع الغباء والتهور وأللا إنسانية. حاولت
قول أىّ شئ لتصلح ما فعلته ولكن ما قيل كان أكبر من أن يتم إصلاحه بمجرد كلمات أخرى.
أرادت ان تحتضن صديقتها ولكن يقينها بأن سهامها قتلت صديقتها منعتها من إظهار أى
نوع آخر من الإشفاق. لم تعرف ماذا تفعل غير البكاء...دقيقة واحدة أخرى وخرجت من
حجرة مرام وجرت للخارج وركبت سيارتها.
ظلت مرام بمكانها
ساعات طويلة ودموعها لا تجف...إنها دموع دفنتها طويلا وكثيراً...لم تشعر باليوم
ينقضى أو بالليل يحل...لم تشعر بالظلام يهبط على غرفتها. انهكها البكاء والتفكير
العاصف ومشاعرها المجروحة. لم تشعر أيضاً بامها تدخل عليها الغرفة...لم تشعر باى
شئ الا عندما اضائت امها الضوء. كان الضوء كالمنارة...ضوء الأرض الصلبة...ضوء
يبشرها بانتهاء الرحلة...الانتهاء من نداء جميع الصور والأشكال المختلفة من حياتها
القصيرة المملة...أرتبكت قليلاً ولم تستوعب الضوء فى بادئ الامر ولكن صوت امها كان
تاكيدا لها للرجوع للواقع.
-
"أنت ليه قافلة
النور؟" سألتها أمها.
-
"لا أبداً! عينى
بتوجعنى شوية"
- "هو دياموند بيعمل إيه هنا؟ أنت طلبت من نالا تجيبه
تانى؟" سألتها أمها بعطف بالغ.
- "دياموند؟ هو هنا؟"
- "هنا من بدرى...عمرو بيلعب معاه تحت"
- "بيلعب مع كلب؟!" قالت مرام بصوت خفيض جدا.
- "أخليه يطلع؟"
- "مين؟" سألت غير مدركة من تسأل أمها عنه.
- "دياموند!"
- "لا!" قالت مرام قاطعة.
- "تحبى تاكلى؟"
- "لأ! شكراً"
- "زى ماتحبى يا ميرو...بس عمرو كان عايز يطلع يشوفك...أقول له
يتفضل؟"
- "عايز يطلع ليه؟" قالت بحدة متذكرة كلام نالا مرة أخرى.
- "معرفش...أكيد علشان يطمئن عليك!"
- "انا مش عايزة حد يطمن عليّ"
- "زى ما انت عايزة" تركتها امها.
بعد حوالى عشر دقائق دق بابها...لم تجب...لكن دق الباب مرة أخرى
بإصرار أكثر.
-
"أدخل!"
قالت مرام بنفاد صبر...كان عمرو.
-
"مساء
الخير!" قال عمرو بادب جم والباب مفتوح قليلاً...لم يدخل ولم ينظر
بالداخل...لم تكن فتحة الباب الضيقة تسمح له بان ينظر بالداخل.
- "مساء الخير!" ردت مرام بزهق.
- "تسمحيلى ادخل؟" سئلها بادب جم.
- "اتفضل!" زفرت مرام بعصبية وهى تدعوه للدخول. دخل عمرو
وكانت مرام بمنتصف الحجرة تماماً تنظر للحائط. لم يغلق الباب خلفه, اتجه ناحيتها
وقال:
- "انا اسف على طريقة كلامى السخيفة امبارح" قال عمرو
وصوته العميق لا يدل على اى من الندم او الاسف اطلاقاً.
- "مفيش حاجة!" قالت مرام دون أن تنظر له.
- "انا على فكرة مش بتأسف على الكلام ولكن عن الطريقة فقط"
- "مش فاهمة!" التفتت إليه مرام بغضب.
- "يعنى انا اتكلمت بطريقة مش لائقة...بس كنت اقصد الكلام اللى
قلته" قال عمرو بلا تردد.
- "أنت أصلا أتكلمت في حاجة ملكش دعوة بيها, طريقة كلامى دى
تخصنى انا" قالت مرام فى غضب بيّن.
- "أولا طريقة كلامك انا مليش دعوة بيها, تانى حاجة أنت مسلمة
وانا مسلم ولما أشوف ان فى حاجة غلط لازم اعلق عليها...الطريقة بس كانت مش حلوة...بس
انا بنصحك كأخ فى دين واحد. وبعدين انا باتكلم صح واقصد مصلحتك"
- "وأنت تنصحنى ليه؟ أنت مين علشان تنصحنى؟"
- "بصى انا جيت اعتذر على طريقة كلامى. وانا ابقى واحد افقه منك
فى الدين وبينصحك علشان مصلحتك"
- "انا عارفة مصلحتى"
- "أنت بتعندى مع مين؟ مع ربنا؟!!!" قال باستنكار صارخ.
- "انا مبعندتش مع حد!"
- "طيب وليه الغضب ده كله؟ علشان نصيحة فى صالحك؟ أنت على فكرة
عدوة نفسك! رد الفعل ده بدل ما تشكرينى انى بنوّر لك طريق؟"
- "طريق؟ أنت تنور لى طريق؟ وطريق إيه ده بقى؟"
- "الطريق لربنا!"
- "ملكش دعوة بيا! انا حرة! اعمل اللى انا عايزاه! اقرب من ربنا
أو ابعد...اكفر أو اسلم دى حاجة ترجع لى!"
- "انت مش عنيدة...انت غبية!" لم يترك لها اى فرصة للرد,
تركها وصفق الباب خلفه كأنه يصفقها هى.
صفق بابه أيضاً وتركها تائهة فى ثورة
غضبها. ظلت مرام مبحلقة بالفراغ الذى كان يملأه عمرو بجسده فى هواء الغرفة وصوت صفق
الباب مازال بإذنها...صورة عمرو الغاضبة نفضت ما كانت تفكر به قبل مجيئه. ظلت
بمكانها خمس دقائق واتجهت لحجرته. طرقت الباب وسمح للطارق بالدخول. لم تفتح الباب قليلاً
وتستأذن كما فعل, فتحت الباب ودخلت وأغلقته خلفها. كان عمرو مستلقى على السرير –
كان يتوقع أخيها هو الطارق – انتفض من على السرير عندما وجدها داخل الحجرة.
-
"انا جاية
اعتذر" قالت مرام بصرامة.
-
"على أيه؟"
قال فى صوت كله عضب وغيظ
- "على الطريقة السخيفة اللى كلمتك بيها دلوقتى"
- "لا أبداً! مفيش حاجة!"
- "الحقيقة مش الطريقة اللى انا جاية اعتذر عنها"
- "أمال عن إيه؟"
- "عن الكلام!"
- "بمعنى؟" قال ببرود.
- "بمعنى انى غلطت!! أنت أطلقت غيظي وكان لازم أرد عليك!"
حاولت اللا تفقد صبرها.
- "أنت بتستفزى بسرعة! كان لازم تقبلى اعتذارى بطريقة أهدى شوية
عن كده" قال بهدوء شديد أثار به أعصابها.
- "انا قلت انا جاية اعتذر...بس ده ميديلكش الحق انك تحاسبنى"
- "انا مش بحاسبك! انا برد اعتبارى بس! بأبرر لك اللى حصل
منك!" قال بكبرياء.
- "انا مش محتاجة حد يبرر لى تصرفاتى لانى مش مجنونة. واعتذارى
ليك أكبر دليل انى مسئولة عن تصرفاتى. غلطت وجيت اعتذر, اقبل اعتذارى بشياكة"
- "بس انا مش قابل اعتذارك أصلا!"
فكرت فى ان تتركه وتخرج ولكن شئ ما كان يريدها باقية أمامه ولا
تخرج كالأطفال.
- "ليه؟" سألته فى تحد.
- "لأنك بتغلطى غلط انا مليش أنى أسامحك علشانه! الغلط اللى
ارتكبتيه كان فى حقك مش فى حقى!"
- "مش فاهمة" بالفعل لم تفهم ما كان يرمى اليه عمرو.
- "يعنى أنت غلطى فى حقك لأنك بترفضى تشكرى ربك! اللى خلقك!
اللى أدالك العقل تفكرى بيه وعنيكى تشوفى بيها واهلك وبيتك وأصدقائك وكل شئ"
- "انا مرفضتش اشكر ربنا"
- "بس أنت استنكرتى فكرة انك تشكرى ربنا لمجرد انه أصابك"
- "ممكن منتكلمش فى مواضيع فرعية! انا هنا علشان أصالحك!
بس!"
- "المهم انك تصالحى تفسك, انا مش مهم! المهم هو أنت
نفسك...ياترى انت مسامحة نفسك ومصالحاها؟" جذب كرسى وجلس أمامها مباشرة, كان
صوته هادئا مريحا دافئا.
- "..." لم تعرف ماذا تجيبه...لم تفكر من قبل فيما قاله
لها.
- "حاولى تسألى نفسك إن كنتى متصالحة مع نفسك وبعد كده حتلاقى
كل حاجة بتضحك. بلاش العزلة اللى أنت فرضاها على نفسك دى. انا بجد عايز مصلحتك,
ياريت ماتزعليش من كلامى المرة دى كمان لانى مقصدش أبداً أضايقك. فكرى فى الكلام
اللى قلته دلوقتى ولو شايفة انه كلام فاضى ووجع دماغ وفراغ وقت...ارميه. ماتفكريش
فيه. وعلى العموم انا مقدرش أزعل منك أصلا, انا متأكد انك طيبة, هما الناس الطيبين
كده...دايما اللى فى قلبهم على لسانهم" أبتسم لها ونظر فى عينها بعمق شعرت بأنه
كشف ما بداخلها من خوالج متضاربة.
خرجت مرام من عنده وبداخلها إحساس بان
عمرو وضع بداخلها قطعة من السحاب...سحابة رقيقة هشة شفافة بها الكثير من الراحة
والصفاء. سحابة امتصت ما بها من غضب واحتجاج. دخلت حجرتها واطفأت النور وظلت
بكرسيها أمام شباك حياتها تطل على البحر. لم تكن السماء صافية فى تلك الليلة ولكن
الصفاء بداخلها كان كافى ليريها العالم شفاف طاهر هادئ وديع.
الفصل
الحادي عشر
ظلت مرام طوال الليل تفكر فى المعنى
الجديد الذى قدمه لها عمرو... المصالحة مع النفس...يا لها من عبارة
رنانة...يا له من معنى سامى. ولكن هل هى فعلاً متصالحة مع نفسها ومع روحها. ظلت
تفكر طويلا بما قاله ولكن كلما يبدأ عقلها فى رفض كلامه تفكر فى ابتسامته وصوته
الهادى العميق المفعم بالدفء حتى يرجع لها الشعور الغامض بالراحة والأمان.
كانت مرام كغريب فى بلد اجنبى ورأت
يافطة مكتوب عليها كلام بلغتها الأصلية ولكن الكلمات غير متصلة فى معنى واحد. شعرت
كأن عمرو شد يدها ورفعها من براثن فكرها. لم يقل الكثير ولكن الثقة العميقة بعينيه
وبصوته أعطاها الشعور باليقين. ظلت تفكر حتى الصباح. رأت الشمس تنعكس على البحر...راقبت
لون البحر يتحول من لون إلى آخر...راقبت السماء تتنفس وتستقبل الشمس...لاحظت
الطيور تطير فرحة بيوم جديد مشرق...لاحظت انها لم تلتفت لذلك منذ زمن طويل!!
كانت الساعة حوالى السادسة عندما سمعت
باب عمرو يفتح, بلا شعور اتجهت نحو باب حجرتها لتفتحه وتلقى عليه تحية الصباح تقول
له ما دار بعقلها طوال الليل ولكن افتكرت أنها هى التى لم تنم...وانه ليس من
اللائق أو الطبيعى أن تكلم اى شخص عن مصالحتها مع نفسها فى السادسة صباحا!! شعرت
بمدى حمقها وأدارت الكرسى مرة أخرى للشباك, بعد دقائق سمعته عائدا لغرفته. انتظرت قليلاً
تتأمل السماء والبحر والطيور ثم فوجئت بطرقات خافتة على بابها. كذّبت أذنها ولكنها
متيقنة أنها طرقات على بابها, لم تتردد, فتحت الباب وكان عمرو هو الطارق.
-
"صباح
الخير!" قال عمرو بصوت خفيض وابتسامة كبيرة تعلو وجهه.
-
"صباح
النور!" قالت مرام وعلى وجهها ابتسامة مشابهة.
- "أنت منمتيش؟" سألها ومازال صوته منخفضا.
- "عرفت منين؟" لم تفقد مرام اى من ابتسامتها.
- "شكلك منمش أمبارح خالص"
- "طيب وعرفت منين انى صاحية أصلا؟"
- "نور جامد طالع من تحت الباب"
- "..." ضحكت ضحكة صغيرة.
- "تحبى تنزلى؟" قال عمرو ببساطة.
- "انزل فين؟" سقطت ابتسامتها وبدلتها بعلامة استعجاب
كبيرة.
- "نتمشى على البحر شوية. الجو حلو أوى. ولا تفتكرى والدك يعترض
على كده؟"
- "لا أبداً! بس...مش عارفة" قالت مرام وأدهشتها الفكرة
جدا.
- "طيب فكرى على ما أشوف دياموند صاحى ولا نايم, جايز يحب يجى
معايا...أو معانا" تركها ونزل بهدوء درجات السلم. لم تفكر كثيراً...وافقت
بالطبع اصطحابه للشاطئ.
نزلت دون ان تغير ملابسها او تعتنى
بتمشيط شعرها او صبغ شفاها او اى شئ...فقط نزلت أليه مباشرة. ذهبا للشاطئ ومعهم دياموند.
لم يجرؤ أن يقترح النزول على الرمال, لن تستطيع مرام استخدام كرسيها المتحرك هناك.
مشى بجانبها وأمامهما الكلب يلهو ويجرى. توقفا عند احد المقاعد الخشبية المنتشرة
على الرصيف المقابل للبحر وجلس عمرو على احد طرفيه حتى تشعر مرام انه جالس
بجانبها. لم يتكلما اطلاقاً طوال الطريق. كان الشارع مهجور تقريبا لم يكن هناك اى أصوات
غير غناء الطيور والهواء وأمواج البحر ورائحته الممزوجة برائحة أشعة الشمس.
-
"أنت ليه بتعاملى
نفسك كده؟" تكلم عمرو بلا مقدمات بعد دقائق قليلة.
-
"كده
ازاى؟" سألته مرام فى دهشة.
- "بتهجرى نفسك!"
- "يعنى أيه؟" لم تفهم ماذا يعنى.
- "يعنى بتهجرى إحساسك بنفسك, بتهجرى شعورك...بتهجرى كل حاجة فى
الدنيا ماعدا إحساسك بالألم"
- "وأنت تعرف منين أنى بعمل كده؟"
- "انا فاهمك كويس" قال ونبرة اليقين لا تفارق صوته.
- "أنت متعرفنيش أصلا علشان تفهمني"
- "أنت إنسانة شفافة جدا, سهل الواحد يفهمك ويشوف جواك فى أيه"
- "أنت شايف أيه جواية؟"
- " شايف طفلة...شعورها بنفسها محصلوش تطور...إحساسك هو إحساس
طفل فقد أبوه وأمه...إحساس اليتم"
- "..." نظرت مرام طويلا إلى البحر ولم تتكلم...ولم يتكلم أكثر
ولكن دمعة صامتة تكلمت بالنيابة عنها.
- "انا آسف!" قال بصوت هامس غير نادم.
- "لا أبداً! معتذرش...واضح أنى شفافة زيادة" ابتسمت
ابتسامة حزينة ومسحت بأطراف أصابعها دمعتها. تنفست بعمق وكادت أن تتكلم ولكنها لم
تقل شيئا.
- "انا كل ما أتكلم بازعلك ولكن انا مقصدش والله العظيم"
- "انا عارفة انك مقتصدش حاجة بس أنت قلت اللى انا مش قادرة أقوله
لنفسى. انا مش عارفة اعبر عن نفسى بالكلام وأنت عبرت عن الثلاث السنين اللى فاتوا
فى كلمة واحدة بس...يتيمة. انا فعلاً يتيمة ولكن يتيمة الإحساس...يتيمة السعادة
والأمل" قالت بصوت حزين.
- "السعادة والأمل فى كل مكان...السعادة فى نفس المكان مع
التعاسة...والأمل متواجد مع اليأس" قال عمرو مدافعا.
- "طيب انا يتيمة أيه؟" قالت بابتسامة ساخرة.
- "أنت يتيمة الرضا" قال بصوت هامس واثق.
التفتت اليه وحدقت
بعينيه...نظرت طويلا اليه محاولة استيعاب المعانى الجديدة التى يضعها نصاب عينها.
لم تتكلم لمدة طويلة...فقط نظرت أليه كأنها تتشبث به لتصدق انها ترى شعاع ضعيف من
الضوء فى بئر حياتها العميقة حالكة الظلام. مرت دقائق طويلة وهى محدقة به وهو لا
يرفع نظره عنها...كأنه يؤكد لها وجود الضوء فعلاً.
-
" الرضا؟ أيه هو
الرضا؟" تكلمت بعد فترة صمت.
-
"يعنى ترضى
باللى ربنا قدره"
- "ازاى؟"
- "أنت حصلك حادثة...مظبوط؟"
-
مظبوط"
- "ربنا هو اللى قدّر أن الحادث ده يحصلك"
- "ليه؟"
- "ربنا يعلم الغيب...محدش غيره يعرفه...يمكن كان المفروض يحصلك
حاجة أصعب من اللى حصل ولكن لطفا بك حصل لك كده"
- "أصعب من انى أفضل محبوسة فى كرسى طول حياتى؟"
- "ايوه أصعب من كده"
- "أيه أصعب من كده؟"
- " ممكن الناس تبص فى وشك تقول 'استغفر الله العظيم'
وتبص الناحية التانية بسرعة"
- "نعم؟" لم تدرك مرام ما يقصده.
- "أيه أصلاً اللى حصل؟" سألها مباشرة دون تردد.
- "حادثة عربية"
- "كان ممكن الحادثة دى تسبب لك تشوهات فى وشك والناس متقدرش
تبص لك. أيه معنى انك تمشى والناس تجرى من قدامك؟ تحبى ده يحصل؟"
- "..." لم ترد مرام وكانت الدهشة تكسو وجهها من شدة شعاع
الضوء فى بئرها.
- "تحبى إن ربنا يخليكى تمشى ولكن يعميكى؟"
- "..."
- "تحبى ربنا يخليكى تمشى وتفقدى اهلك؟"
- "..."
- "أنت يتيمة الرضا...ليه بتنظرى للجانب المظلم جدا من الحياة؟
اللى حصل لك كان ممكن يحصل لك وأنت متجوزة وساعتها جوزك كان ممكن يسيبك...بس
دلوقتى اللى هايتجوزك هايسيب الدنيا كلها علشانك وأنت كده. ليه متفكريش إن اللى
حصل لك كان ممكن يحصل لأولادك وأنت تفضلى تخدميهم طول عمرك وساعتها حياتك هاتكون
سجن برده بس فى كراسى ناس تانية متقدريش تتحكمى فيها. ربنا اعطاكى حاجات كتير أوى
حلوة وأنت مصممة تنظرى للجانب السئ فقط. كان ممكن يحصل لك الحادثة دى وأنت فقيرة
ميكونش عندك فلوس حتى تشترى الكرسى اللى أنت محبوسة فيه زى ما بتقولى...ساعتها
هاتزحفى فى الشارع تتسولى...فكرتى فى اى من الاحتمالات دى؟"
- "..."
- "وعلشان كل ده لازم تقولى الحمد لله, مش لازم أبداً إيمانك
بالله يتأثر مهما كانت الظروف"
- "..."
كان يعلم إنها تفكر فيما قاله ولم يحاول
الضغط عليها أكثر, كان بالفعل يشعر نحوها بأكثر من الإشفاق. الشعور بالإشفاق شعور
سلبى...ربما يكون طيبة قلب ولكن محاولة تحويل الإشفاق إلى طاقة كان يعتبره عمرو إيمان.
إيمان بقوة الإنسان, إيمان بوجود الله, إيمان بقهر الظروف وسحقها. كان يريدها أن
تكون قوية...حتى تحيي.
ظلا ساعة أمام البحر وازدحم الشارع قليلاً
بسيارات ومارة وأصوات كثيرة قتلت أصوات الطيور وصوت البحر والرياح الخفيفة. قام
عمرو وبدئا سويا الطريق للمنزل وأماهم دياموند. لم يتكلما اطلاقاً. كانت تفكر هى
فى المعانى الجديدة وكان يفكر هو فيما يجب أن يقوله لها فيما بعد لمساعدتها أكثر.
كان يشعر بالرضا عن نفسه لنجاحه فى مساعدة إنسان ضعيف...وشعرت هى بالأمان لوجود أشخاص
مثل عمرو فى الحياة. وصلا المنزل وافترقا...دخلت هى حجرتها ودخل هو حجرته. وأمسك
الاثنان أقلامهم فور وصولهم كأنهم خائفين من ضياع أفكارهم.
مذكرتى العزيزة
هل
يوجد حياه أخرى للإنسان قبل موته؟ أيمكن أن يعيش الإنسان أكثر من مرة فى نفس
العمر؟ هل يمكن أن يبدل عقله وعقيدته وإيمانه؟ هل يمكن أن يكتسب إيمانا بأشياء لم
يعتقد فى وجودها؟ هل يؤثر الكلام فى العقل؟ هل للعاطفة سيطرة على العقل؟ هل للعقل
سيطرة على العاطفة؟ هل الإيمان بقوة الإنسان؟ هل الإنسان بقوة ظروفه؟ يا ليتنى أعلم...ياليتنى
اقتنع.
ذهبت
مع عمرو اليوم للبحر...لم اخرج وحدى منذ الحادث!! هذه المرة الأولى لى...كنت اخرج
مع امى وأبى بعد محاولات كثيرة مملة للذهاب لبعض الحدائق مع أصدقائهم, وكنت أكره
تلك الرحلات التى يعذبوننى بها. ولكن اليوم لم أشعر إطلاقا بانى غريبة أو مع إنسان
غريب...أشعر بانى أتكلم مع احد أفراد أسرتي. أشعر كأني اكلم ضميرى الصامت النائم! بالأمس
كلمنى عمرو عن مصالحة النفس. شغلنى هذا المعنى لدرجة منعتنى من النوم. فكرة النفس
وعلاقتنا بها وهل يمكن أن ينقسم الإنسان إلى أكثر من مشاعر وعقل وجسد؟ هل الإنسان
يتكون من عقل ونفس وعقيدة وإيمان ومشاعر وضمير وروح وجسد؟ هل يمكن أن ينقسم الإنسان
إلى كل هذه المعانى؟ هل هذه المعانى متضاربة أم إننا نضاربها ببعض حتى نعذب أنفسنا؟
هل العقل والروح والعاطفة تعذب النفس؟ هل ترتاح النفس لقرار العقل أم لقرار القلب؟
أم الضمير يسيطر على كل شئ؟ ما الفرق بين النفس والروح؟ ما العلاقة بين المشاعر
والعقل؟ وهل يمكن أن يتفق الاثنان بلا تعذيب للضمير؟ لا أعلم...لا افهم.
بعد
الحادث فقدت جزءاً كبيراً من قيمة الجسد...وظل عقلى يتألم! عقلى يتألم من كثرة الأفكار
المتناقضة...من كثرة اللوم...من كثرة الاحتمالات...من قوة العاطفة...عاطفتى اتجاه
نفسى واتجاه فريدريك واتجاه والدىّ. قال عمرو اليوم لى إن كنت أفضل أن أكون انا
حبيسة كرسى أم يكون أولادي مكانى وأظل انا معذبة بهم...هل امى معذبة بى؟ هل اعذبها
وانا اذكرها فى كل لحظة انى انسانة بلا ارادة او مستقبل او أمل...انسانة بلا
ايمان؟!!!
ما
هو الإيمان؟ هل هو قوة العقيدة أم قوة الإنسان فى استخدام عقيدته؟ وما هى العقيدة؟
هل هى الاقتناع أم الرضا بواقع حوله واستسلامه لها بلا تفكير؟ ما هو الرضا؟ هل هو
الاقتناع بما لدينا...هل يقتل الرضا الطموح؟ هل يقتل الطموح الرضا؟ هل يقتل الطموح
العقيدة أن تعارضا؟ هل من الممكن أن يتعارضا؟
من
انا لأسال كل هذه الأسئلة؟ انا إنسانة بلا إيمان...بلا عقيدة...بلا قوة...بلا
طموح...بلا رضا...انا فقط إنسانة...ولم يتبق لدى إلا نصف جسد وعقل نائم وعاطفة منهكة!!!!!
-----------------
أيامـــى
أعتقد أنى نجحت فى إثارة قاع حياة مرام!
أعتقد أنى نفضت بعض التراب من عينها! أتمنى أن انجح فى تنوير طريق لها. ولكن اى
طريق؟ يبدو أنها وثقت بىّ...ويا لها من مسئولية, مسئولية القدرة على السيطرة على إنسان...إنسان
كبير راشد. لا أعتقد إن كانت مرام طفلة كنت سأشعر بثقل المسئولية على كاهلى,
ولكنها راشدة كبيرة عاقلة وعقلها اتخذ شكلا محددا للحياة...أخذت حياتها مضماراً من
الصعب إثنائها عنه. ولكن هل انا صحيح؟ هل تفكيرى انا صحيح؟ وهل حياتى اصح من
حياتها حتى أعطى لنفسى حق السيطرة عليها؟ إن كنت مكانها هل كنت سأفكر مثلها؟ هل سأخضع
لظروفى أم أروض الأشياء المحيطة بى لصالحى؟ هل سأكره الآخرين...هل سأكره نفسى؟ هل
كنت سأتعذب من فكرة مقارنتى بآخرين أصحاء؟ هل فعلاً إن كنت أمام اختيار فقد اهلى أو
فقدى الحركة....سأختار اهلى؟ إن كنت أمام اختيار فقدى لبصرى وفقدى الحركة...سأختار
بصرى؟
فكرة السيطرة على إنسان كبير فكرة خطيرة
متهورة...من الصعب التحكم فى إرادة الراشدين, ولكن هل لديها إرادة؟ وان كان لها إرادة
هل ستثنيها لتخضع لإرادتي انا؟
يبدو انى مرهق...
الفصل الثاني عشر
-
"صباح
الخير"
-
"صباح
الخير"
- "نالا موجودة؟"
- "لا! نالا فى أجازة"
- "شكراً!"
حاولت مرام الاتصال
بنالا بالبيت بعد فشلها فى مكالمتها بمحل عملها ولم تجدها أيضاً. ولكن فى حوالى
الساعة الخامسة مساءا كانت نالا بمنزلها مدعية أنها جاءت لتأخذ دياموند مرة أخرى
ولكنها جاءت من اجل صديقتها المسكينة. ترددت نالا قليلاً فى الطلوع لغرفتها ولكن
نباح الكلب أخرجها من حجرتها. نزلت مرام لترحب بصديقتها الوحيدة...كانت الوحيدة حتى
صباح ذلك اليوم!
لم تتكلم اى منهما
لبرهة حتى نزل اخو مرام وتكلم قليلاً مع نالا يلومها انه لا يراها كثيراً هذه الأيام
-
"أنت اللى مش
موجود فى البيت على طول" قالت نالا بابتسامتها الدائمة.
-
"لا ازاى! انا
هنا بس أنت اللى شكلك زهقتى مننا!"
- "انا زهقت منك أنت فعلاً" ضحكت نالا.
- "طيب اسيبكوا انا بقى, عندى ميعاد عند الدكتور"
- "الدكتور برده؟" غمزت نالا وضحكت عاليا.
- "مشيها الدكتور المرة دى" ضحك نادر.
خرج نادر وفى نفس اللحظة خرج عمرو من
حجرته ليخرج هو أيضاً. لمحته نالا واحمرت وجنتاها. نزل اليهم والقى عليها التحية بأدب
جم.
-
"على فين أنت
كمان؟" قالت نالا بلهجتها المصرية الإيطالية.
-
"عندى
ميعاد" رد عمرو وهو ينظر إلى دياموند.
- "مع الدكتور برده؟" ضحكت نالا بصوت مرتفع جدا.
- "دكتور؟" سال عمرو.
- "سيبك منها!" قالت مرام وهو تنظر لصديقتها ببعض الغيرة.
- "استنى بس! أنت رايح فين؟" سألته نالا.
- "عندى ميعاد مع زميل فى الكلية" رد عمرو بتحفظ.
- "بس أعتقد مفيش محاضرات دلوقتى...دى الساعة خامسة وربع"
قالت نالا واحمرار وجنتيها يشتد.
- "(يضحك)لا اقصد زميلى عرفته من الكلية...مش هاقبله فى
الكلية"
- "اه! آسفة" ضحكت طويلا وضحك معها عمرو وتشاغلت مرام
باللعب مع دياموند.
- "ولا يهمك!" قال عمرو وتوجه للباب.
- "أنت هاتتأخر؟" التفتت اليه نالا بكل جسدها وسألته باهتمام.
- "معنديش فكرة!" قال عمرو بعد القليل من التردد.
- "ممم...اوكيه...سلام"
- "سلام" قال عمرو بصوت يكاد لا يسمع.
خرج عمرو ونبح الكلب قليلاً بعد خروجه
ولكن هداته مرام.
-
" ايه كل الأسئلة
دى؟" سألت مرام ببرود.
-
"أسئلة أيه؟"
- "أنت مالك إن كان هايتاخر أو لا؟" قالت مرام بقليل من
اللوم والغضب.
- "عادى...أصدقاء" قالت ببرود.
- "أصدقاء؟ من امتى؟ أنت عمرك ما شتفيه غير مرة واحدة بس...ازاى
تبقى صديقته؟"
- "انا فعلاً متكلمتش معاه غير مرة واحدة...بس هانتقابل كتير
بعد كده...وإننا نكون أصدقاء شئ مفروغ منه...فمن الأفضل أن نبدأ الصداقة الآن!"
قالت نالا بثقة.
- "وليه تكونوا أصدقاء أصلا؟"
- "وإيه اللى يمنع؟" رفعت حاجبها لأعلى باستغراب شديد.
- "..."
- "أنت معجبه بيه ولا أيه؟" قالت نالا بخبث.
- "طبعا لا!" دافعت مرام عن نفسها بصوت حاد عالى.
- "وبتصرخى ليه؟ هو الإعجاب عيب؟ ده شئ طبيعى...وبعدين لو محصلش
بينك وبين اى شاب إعجاب فده معناه انك مش طبيعية"
- "مش طبيعية؟ مش فاهمة" ازدادت حدة مرام.
- "اقصد أن ده مش عيب...وانا مش غريبة علشان تعبرى عن شعورك أمامى"
تداركت نالا الموقف حتى لا تتشاجر مع صديقتها...وتحرم من صداقة جديدة!
- "أنت جيتى دلوقتى ليه؟" سألت مرام بتعالى.
- "أنت اتصلتى بيا فى البيت والشغل, فقلت اجى اشوفتك"
- "يعنى مش علشان تاخدى دياموند" قالت بكبرياء مزيف.
- "لا! انا آسفة على الكلام اللى قلته أمبارح! انا عمرى ما اقصد
الكلام ده أبداً! انا عارفة انى زعلتك وجرحتك جامد بس أنت كنت مستفزة جداً وخلتينى أقول كلام مفيش فيه اى معنى,
كلام فاضى!" قالت نالا والندم واضح جدا على وجهها.
- "انا متهيألى انك كنت فعلاً تقصدى الكلام اللى قلتيه! لكن مش
مهم! انا مش ضحية حد ولا حتى الظروف. انا مش ضحية أصلا. واللى عنده إشفاق ممكن
يعبر عنه أمامى...معنديش مشاكل فى كده...بس انا كمان هاشفق عليه جدا...لان ده أكيد
إنسان سطحى وتافه"
- "تقصدى أنى تافهة وسطحية؟"
- "أنت قلت انك متقصديش الكلام اللى قلتيه!" راوغت مرام
صديقتها.
- "فعلاً انا عمرى ما أشفقت عليكى لأنك إنسانة قوية والإشفاق لا
يليق بالأقوياء" نافقت نالا صديقتها.
نظرة رضا مرت بوجه مرام
-
"انا
جعانة...تاكلى معايا؟" سألت مرام صديقتها وشبح ابتسامة على وجهها.
أكلا سويا وذهبا لجحرة مرام كالعادة
ومكثت نالا معها حتى المساء. وفى حوالى الساعة العاشرة طرق بابها...كان عمرو
الطارق, كان يعتقد أن مرام بمفردها.
-
"انا آسف انى
جيت فى وقت متأخر كده" قال بعد أن رأى نالا بالداخل, شعر بقليل من الإحراج لدخوله
حجرة مرام بالمساء.
-
"لا أبداً! مفيش
إحراج ولا حاجة" ردت مرام.
- "كنت جاى أسألك إن كنت عايزة الكتاب اللى قلت لك عليه"
- "..." لم تفهم مرام ولم تتكلم. انتبهت الى انه يريد قول
شئ ولكن وجود نالا حال دون ذلك.
- "على العموم انا جبت الكتاب معايا إن كنت محتاجاه. عن إذنكم"
- "..."
خرج عمرو من عند مرام
وتركها حائرة فيما جاء ليقوله, شعرت على الفور كم مكثت نالا معها وانه كان من اللائق
أن تتركها فى ساعة مبكرة عن العاشرة حتى تستريح أو تنام. فكرت فيما يجب أن تفعله
لتصرف صديقتها دون جرحها ولكن من الصعب طرد اى شخص بطريقة لبقة! وبعد ساعة أخرى
انصرفت نالا. ذهبت مرام على الفور لغرفة عمرو ولكن أبويها كانوا بمقربة من حجرتها
وأخرها هذا نصف ساعة أخرى حتى تأكدت أنهم بحجرتهم وان أخيها لم يعد بعد. ترددت قليلاً
إن كان من اللائق دخول حجرته فى هذه الساعة من الليل ولكن فضولها لم يتركها طويلا
مترددة. طرقت بابه طرقات خفيفة ولم يجبها, أطرقت الباب مرة أخرى بصوت أعلى عما قبل
ولم تتلقى إجابة أيضاً, أحبطت وذهبت مرة أخرى لحجرتها تلعن نالا!
مذكرتى العزيزة
جاءت
نالا اليوم لتصالحنى ومكثت معى طويلا جدا...ربما لم تظل معى كما كانت تبقى فى
الماضى ولكن عمرو كان يريد أن يقول شيئا لى ولكنها كانت عندى ولم يقل ماذا يريد!
طرقت بابه ولكن يبدو انه نام! أكان يجب أن تظل نالا معى كل هذا الوقت؟
كانت
نالا تكلمه اليوم بطريقة حميمة إلى حد ما وأثار هذا داخلى شعور غريب...شعرت أنها
تتطفل على حياتى...شعرت أنها تأخذ منى لون من سماء دنياى...شعرت أنها أخذت صوتا من
أصوات الموسيقى بأذني...كنت أريد أن الفت نظرها إلى أنها كانت تتكلم بطريقة....
-----------------
طرق باب مرام وكانت
فى منتصف الكتابة, لم تتردد وسمحت للطارق بالدخول. كان عمرو مرتدى ملابسه التى كان
يرتديها قبل خروجه ولم يغيرها. دهشت قليلاً عندما رأته لأنها تخيلت انه فى سبات
عميق.
-
"انا افتكرتك
نمت...خبطت على الباب ومرديتش عليا فقلت نمت"
-
"لا انا كنت
باصلى العشا"
- "اه! أصلى خبطت مرتين. على العموم كنت عايز تقول أيه ونالا
كانت هنا؟"
- "ولا حاجة! كنت جاى أشوفك بس!"
- "..."
- "..."
سادت
بينهم لحظات صمت طويلة
-
"أنت عملت أيه
النهاردة؟" خافت مرام أن ينصرف عمرو بلا أن يتبادلا كلام أكثر قبل النوم.
-
"قابلت صاحبى
ورحنا على البحر شوية وقابلنا ناس زمايلنا فى الكلية ورحنا كافيه ورجعت. بس"
- "أتبسط؟"
- "الحمد لله"
- "كويس" لم تعرف ماذا تقول أكثر.
- "اسيبك بقى تنامى. تصبحى على خير" خرج عمرو من حجرتها فى
تباطؤ.
- "..." لم تتفوه مرام بحرف حتى لا يضيع صوته من أذنها. تركها
وظلت تنظر للباب وداخلها أمنية صامتة بان يفتح الباب مرة أخرى ويرجع ويقضوا الليل
يتحدثون.
بعد دقائق قليلة رجعت مرام لمذكرّاتها...قرأت ما
قالته بسرعة...رسمت خط وكتبت "هل أحب؟؟؟؟؟؟"
to be continued,,,
ريم اسامة
No comments:
Post a Comment