Tuesday, 10 December 2013

رواية النبضات الصامتة: الفصول السادس والسابع والثامن


الفصل السادس
        نامت مرام نوم متقطع قلق. كان النوم يلعب معها بتحدى...إن غلبته عاقبها بكابوس وأن غلبها عاقبت نفسها بالتفكير بالماضى المؤلم! كانت ليلة صعبة أرقة! صحت بكامل تركيزها بالخامسة صباحا, كانت الشمس تتفس ببطء لأعلان يوم جديد...تتنفس لتعطى البحر سحره...لتعطى الأشجار لونها...لتعطى الرمال سكونها...لتعطى مرام يوم مؤلم اخر!!!
        لم تتحرك مرام من السرير لإستقبال الصباح بالشباك...لم تذهب للشمس...لم تذهب للبحر...للسماء الصافية...للطيور. ولكن ذهبت الأشعة الدافئة لإحتضانها بسريرها...انعكس الضوء على صفحة المياة وعلى زجاج شباك حياتها وانعكس مرة أخرى على مرآتها وأضاء حجرتها بأكملها...كأن الضوء أيضاً يشفق على مرام من نفسها ومن وحدتها الموحشة. أحتضنت الشمس مرام وغطت سريرها كأنها نائمة فى بحيرة من الذهب. كانت الأشعة السحرية على أطراف رموشها تعلن تتويج عينيها... كانت أشعة الشمس المتعددة الإنعكاس متعلقة بأطراف شعرها تمده بالحياة والصبر...كان الضوء يغطى وجهها كأنها مصنوعة من العسل الصافى...كان النور يغمر غرفتها كأنها قطعة من السماء.
        لم تستطع ان تبعد عن البحر أكثر من ذلك...تحركت وسط بحيرة الذهب وأعتلت كرسيها وذهبت للشباك لتصالح الطبيعة وتتصالح مع نفسها المرهفة المرهقة. شعرت كأن البحر جدد من أمواجه, كانت حركته غير المعتادة, كان بالأمواج الكثير من النشاط والسعادة عن اى يوم سابق, كانت السحب ناصعة عن المعتاد...كانت الطيور نشطة عن الأيام السابقة. لم تر مرام لذلك تفسير غير انه لا بد ان الطبيعة لم تنم نوم منتظم مثلها وبسببه فقدت وقارها!!
        كانت الساعة السابعة عندما سمعت بخارج حجرتها صوت أقدام تخطو باستحياء وخفر. صوت الخطوات الغريبة جاء إلى مسمعها كالطبول وسط القبور! علقت مرام أذنها بخطواته الثابتة المحرجة وسمعته ينزل للدور السفلى. كان بيت مرام مكون من طابقين, الطابق السفلى مكون من حجرات الإستقبال والطعام والمطبخ والمكتب وحجرة صغيرة غير مستغلة. والطابق الأعلى كان به حجرات النوم وحجرة لمعيشة. قام والد مرام بتركيب مصعد بين الطابقين بعد إصابة الابنة لتتمكن من التجول بالمنزل او الخروج منه بسهولة وأيضاً حتى لا تعتمد على غيرها فى حياتها ولتقود حياتها مستقلة بذاتها.
        ارتدت ملابس تليق بإستقبال زائر غريب واستعدت للنزول لمقابلته. أختارت ملابسها بعناية فائقة...أرتدت فستان طويل واسع الذيل وبلا أكمام فى لون سماء الصيف الصافية. أرتدت حذاء أبيض وربطت شعرها بشريط طويل أبيض. أضافت القليل من المساحيق على وجهها لتضفى عليه بعض الحمرة وتعطرت بعطر خفيف. نزلت الطابق السفلى وبيدها كتاب. مرت على حجرته وهى فى طريقها للمصعد للهبوط, أرتجف قلبها قليلاً وهى تمر عليها كانها تمر على مكان مقدس ولا يسمح لها بالوجود بجانبه حتى لا تدنسه! نزلت بالأسفل واتجهت لحجرة الطعام.
        تخيلت انه بلا شك سيكون بها للافطار ولكنها لم ترى اى شخص بها, تجولت قليلاً بالمنزل ولم تره. ذهبت للمطبخ حيث لا بد من وجود أمها به, وكانت به بالفعل.
-       "صباح الخير" قالت مرام.
-       "صباح النور! نمتى امبارح بدرى مش كده؟"
-       "فعلاً نمت بدرى! هو الضيف جه امبارح؟"
-       "اه!" ردت الام بلا إهتمام.
-       "وهو نايم لسه؟" ادعت اللامبالاه.
-       "لا خرج"
-       "راح فين؟" ندمت مرام فور قولها ذلك.
-       معرفش! بتسئلى ليه؟" رمقتها امها نظرة حادة.
-       "عادى! مش واحد فى البيت برده؟"
-       "يعنى مسألتيش على اخوكى او بابا! اشمعنى ده يعنى؟"
-       "عادى يا ماما! انا عايزة قهوة من فضلك"
ذهبت مرام لغرفتها بالطابق الأعلى ومرت مرة أخرى على الغرفة المقدسة وتوقفت أمامها مباشرة. طافت فكرة بعقلها ان تدخل وتتفرج عليها وعلى أغراضه ولكن انتابتها رعشة وحرج من فكرة التلصص على غريب...حتى إن كان بمنزلها. ذهبت لغرفتها وبعض الإحباط معلق على وجهها, أرادت فعلاً رؤيته, أرادت حقاَ التعرف عليه. سمعت حفيف أقدام أمها وحاولت إخفاء معالم الإخفاق من وجهها ولكن فشلت ولم تلحظ الأم اى شئ على مرام فكانت مشغولة بالتفكير فى الغداء وإعداد حفل تعارف فى اليوم التالى, كانت منشغلة بعدد من سيحضرون الحفل ومحاولة جعلها فى جو دافئ حتى لا يحرج الضيف. قبل خروج الأم من غرفة أبنتها اوقفتها مرام:
-       "هو اللى جه ده اسمه ايه؟"
-       "اسمه عمرو"
-       "حلو اسم عمرو!"
-       "عايزة حاجة تانية علشان انا مش فاضية"
-       "لا شكراً يا ماما!"

مذكرتى العزيزة
عمرو! هذا هو أسم الفائز! لم أقابل من قبل أى شخص بهذا الأسم...ولكنى لم التقى بكثير من المصريين. مررت اليوم على حجرته وشعرت كانى أمشى على قبره! كان شعوراً بشعاً!

-----------------

كانت الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر, نادت الام على ابنتها لتناول الغداء مع الضيف. أرتدت مرام مرة أخرى ملابسها التى أختارتها بعناية بالصباح لمقابلته. اضافت المزيد من المساحيق...وأكثرت من العطر. ترددت قليلاً قبل الخروج من حجرتها وألقت نظرة أخيرة على نفسها فى المراة لتمتلئ بالمزيد من الثقة. كانت مرام أخر من ينضم لمائدة الطعام. كان الاب على رأس المائدة والأم على يمينه وعمرو أمامها على يسار الأب وجلست مرام بجانب أمها. فور وصولها للحجرة نظرت مباشرة إليه ولم تتفوه بشئ. لم ينظر اليها...كان فى غاية الخجل والتوتر حتى انه لم يلحظ أنها انضمت اليهم على المائدة. التفت اليها فقط وفوجئ بها عندما حييته. حياها بأدب متناهى ونظر إلى الطبق الموضوع أمامه مرة أخرى حتى أنتهوا من الغداء.
عمرو طويل القامة وعريض الكتفين وهيئته تدل على ولعه بالرياضة. أسمر وشعره قصير جداً أسود فاحم ناعم. كانت له ذقن خفيفة أنيقة عليه. طويل الأصابع والأطراف.
بعد الغداء ذهب عمرو مع الأب إلى الشاطئ القريب من المنزل, ذهبت مرام لحجرتها وطلت عليهم من شباكها. رأته مع أبيها وتأملته من بعيد. شباك حياتها أحوى شكل جديد من أشكال الحياة...أحتوى على شخص غامض. رأته مع البحر فى لوحة واحدة, لم تشعر بوجود أبيها فى الصورة, فقط رأت الغريب والبحر والسماء تشهده.
لم تبرح مرام حجرتها باقى اليوم, أرادت ان تكتب شعورها وإنطباعاتها الأولى عنه ولكن قلمها كان يهرب. لم تعرف سبب ما أحل بها. انه شخص لم يتفوه معها ببنة شفه ولم تتكلم هى معه اطلاقاً, ربما شدّها إليه اللون الأسمر والبنيان القوى. كانت تفكر فى الحجرة أكثر من تفكيرها فى الضيف الجديد...تمنت أن تراها بعد أن سكنها, كان تفكيرها منصب نحو "هل مازالت محفوفة بالملائكة ام برحتها عند وجود ارواح غير شفافة بها وهل مازال بها الشعور الغامض بالراحة الذى يدعوك للبكاء من فرط الطمائنينة!"
قرابة منتصف الليل سمعت أقدامه بالخارج متجهة نحو حجرته ..."لا بد أنهم أنتهوا من العشاء"...قالت مرام لنفسها وتفكيرها منصب نحو الملائكة تتناقص بدخوله الحجرة. بعد بضعة ساعات من التيقظ الكامل حاولت الكتابة مرة أخرى.

مذكرتى العزيزة
تفكيرى منصب نحو الغرفة المجاورة لى بكل ما بها من تفاصيل وأحاسيس أنتابتنى عندما كنت بها. رأيته اليوم على مائدة الطعام, طويل, أسمر, ملتحى قليلاً, أنفه رقيق, عيناه واسعة ورموشة طويلة جداً!! لم أتخيل انى سألاحظ هذه التفاصيل فيه...طويل الأصابع ويستخدمها برقة, أسنانه متراصة بيضاء ولكن سنته الاماية بها كسر صغير...وهناك ندبه تحت حاجبة الأيمن...أذنه صغيرة جداً (يا لى من حمقاء حقاَ لتذكر تلك التفاصيل الصغيرة التافهة) وكان مرتدى اليوم بنطلون جينز كحلى وقميص بأكمام طويلة أبيض...كام مشمراً عن ساعديه ولم يقفل أول زرارين من القميص (للقميص ياقة كبيرة) وحذائة يدل على السعر المرتفع ويبدو جديداً (الحزاء قطيفة بيج)...كم أنا حمقاء!! يا لى من انسانة سطحية!!!!
رأيتة اليوم مع أبى على الشاطئ, يمشى ويدية مشبكة خلف ظهرة! لا ارى لذلك تحليل! انى أحب تحليل كل شئ...لم تدل على الثقة بنفسه او عدمها...لم تدل على الراحة أو عدمها ولم تدل على العمق الداخلى أو عدمه!! إنها طريقة غريبة للتنزه على الشاطئ!
ولكن خطواته ثابتة وثقيلة (قليلاً مثل ابى) وإن كان بها الكثير من الحيوية (لا أعرف كيف أميز ذلك ولكنى أشعر به).
الساعة الأن الثالثة صباحا...أيامى أصبحت طويلة جدا, لا أنام كما ينبغى والغريب انى لا أشعر بالتعب ولا النعاس إلا نادراً. فكرت فى ان أستعمل منوما ولكن لن ترضى امى شرائه لى ونالا لن تشتريه بدون علم امى...يا لى من تعيسة حقاَ...حتى النوم لا اقدر عليه! أبسط حقوق الانسان وأكثر الأشياء طبيعة لا أستطيع فعلها!
حاولت الكتابة اليوم ولكنى فشلت...حجرتى تصغر يوم عن يوم وتضيق كل ساعة عما قبلها! هل هذا شعورى ام هذه حقيقة! أشعر بتضائل الشباك وتضائل شعورى وإحساسى بالبحر...كانت أمواجة كافية لتغرق ما بى من أحزان وكئابة...هل كبرت أحزانى وأزدادت كائبى ولم يعد البحر باستطاعته احتوائها ام انه أختار انسانة اقوى منى على التحمل والصبر؟! هل تغيرت أمواجة وأصبحت أكثر شبابا ام كبرت روحى وأصبحت لا تليق بالبحر المتجدد الصبا؟ هل رسمت أحزانى خطوطاً على قاعه؟ هل تأثر شكل السحب بدموعى والامى؟ كنت أعتقد ان الطبيعة ملازمة لى ولكن يبدو انى ملازمة الحوائط!!!!
أتمنى منع الناس من النظر داخل صندوقى الزجاجى...أتمنى إمتلاك حياتى وحدى دون التلصص عليها وبلا ان أشارك أشخاص فيها! أتمنى تغطية حوائطة لأتمكن من الإنفراد بنفسى وجروحى...ربما تلتئم إن تمكنت من ذلك...ولكى لا أعتقد ان بإستطاعتى هذا!

الفصل السابع

أيامـــى
وصلت إيطاليا بالامس! تبدو بلداً جميلة هادئة مثل الحجرة التى اقيم بها. أيامى بالقاهرة فى الفترة الاخيرة كانت شبة دوامة من الدخان السام والابخرة الخانقة, تمنيت الهروب ولكن لم تمكننى الظروف من ترك سجنى إلا الأن! وأحمد الله كثيراً على ذلك. اقيم لدى صديق قديم لوالدى, تبدو عائلة طيبة هادئة لطيفة. عندما جئت لباليرمو (حيث الجامعة) شعرت بهدوء نفسى فور وطئت أقدامى أرضها.
العائلة لديها منزل غاية فى الجمال ويطل على البحر مباشرة...لم أتخيل موقع بهذه الروعة حتى فى أجمل أحلامى. العائلة مكونة من صديق ابى وزوجته وابن وابنه. لم ارى الابن حتى الان ولكن الابنة أنضمت الينها فى الغداء اليوم ولم تأكل معنا مساء الامس او مساء اليوم. يبدو عليها الإنزواء والعزلة!
 حجرتى بالطابق الأعلى من المنزل (أحب كثيراً المنازل ذات الطوابق العِدة), انها حجرة بديعة أحببتها فور دخولها. يبدو انهم أهتموا كثيراً بتفاصيلها واشتروا خصصيصا أشياء جديدة بها, كم أشعر بالاحراج من ذلك! ضوئها خافت ومناسب لحالتى هذه الأيام...اطوق الى الكثير من الهدوء والاستقرار النفسى بعد المعارك الدامية بالقاهرة من اجل هذه البعثة.
لا أشعر بالرغبة فى النوم...صوت البحر الهادئ يداوى عقلى المتعب وجسدى المرهق...على الرغم من شدة الارهاق الذى أشعر به ولكنى لا أستطيع إغماض جفونى...لابد لانى فى مكان غريب عنى وإن كان مريح!
يراودنى شعور عارم بأن أسبح فى البحر الان...ولكنى أقاومه بشدة! لدى شعور بان أسمع ام كلثوم واطفئ الانوار وأطفو على الانغام الساحرة ولكن لا يوجد معى كاسيت ولا يوجد معى اى تسجيلات لها والكمبيوتر لا يوجد عليه اى اغن ايضا! لا أستطيع تخيل شئ أفضل من الموسيقى مع صوت البحر فى الخلفية وضوء القمر!!! يا له من إحساس.
-----------------
فى الصباح التالى سمعت مرام صوت أقدام عمرو وعرفت انه سيخرج. قررت دخول حجرته مهما كلفها هذا من تأنيب الضمير فيما بعد. بعد عشر دقائق من خروجه دخلت هى حجرته, لم تتردد هذه المرة ولكن شعرت برجفة فى أحشائها...توقفت فى منتصف الحجرة وحاولت تحسس الملائكة! كانت رائحة عطر عمرو بالهواء كأن الحجرة تتنفسه...كان عطره قوى...ملأ الطرقة خارج الحجرات بالطابق الأعلى...كانت الحجرة مازالت مرتبة...لم تتوقع مرام أن ينتهى اى رجل او ولد من إفراغ حقائبهم فى نفس اليوم او حتى نفس الأبوع, ولكن كانت أغراضه على الارفف والمكتب. بجانب السرير وضع مصحف ومنبه وكتاب عن الفكر العربى الحديث...على المكتب كان يوجد "لاب توب" وبعض الكتب ومجلتين. بعض الكتب كانت متروكة بإمال على الأرفف فوق المكتب.
تجرأت مرام أكثر وفتحت دولابه, كانت ملابسه معلقة بعناية فائقة...الكثير من الألوان وأكثر من ذوق. شعرت أنها تخطت العديد والعديد من الخطوط الحمراء...شعرت بالخجل من نفسها وأغلقت الدولاب مرة اخرة وخرجت من الحجرة بسرعة.
مذكرتى العزيزة
دخلت حجرة الغريب اليوم! يالها من غرفة حقاَ...لم تفقد اى مما شعرت به من قبل, لم تترك الملائكة المكان ولم تفقد سيطرتها على النفس والعقل فى آنٍ واحد! يبدو على الغريب الغرام بالملابس والاناقة, لدية الكثير جدا من الملابس ولكنها متناقضة الذوق! لدية الكثير من الألوان...المتناقضة أيضاً! العديد من الاحذية. كانت الحجرة غارفة فى سحابة من عطره النفاذ...ولكنه عطر رائع!
هناك شئ جديد فى الغرفة لا أعرف ما هو! لا أستطيع تبينه! شئ أعطى المكان طابعاً قديماً!!! نعم قديماً! اصيلاً ربما ولكنه شئ لم يكن هناك من قبل...بالرغم من الكتب والكمبيوتر والمظهر الحديث لمتعلقاته ولكن هناك روح قديمة معلقة فى الهواء!
لاحظت انه رتب فراشه قبل الخروج! وكان كل شئ منظم إلا الكتب على الأرفف. إنه متناقض!! متناقض جدا!
-----------------
كان مساء هذا اليوم الحفلة المقامة للتعارف على عمرو. كانت الام فى قمة إنشغالها بإعداد وليمة دسمة للمدعوين. قررت مرام سابقاً أنها لن تكون ضمن المدعوين, ونالا كانت مشغولة تلك الليلة وذلك يعنى انها لن تشارك فى الحفل أيضاً...وكان هذا كافياً لتحسم مرام رأيها بعدم النزول من حجرتها. حاولت مرام ترتيب حجرتها ليمر الوقت بأى شكل وجائتها نالا.
-       "وهو شكله ايه؟" قالت نالا بتلهف .
-       "شكله؟ شكله عادى!" قالت مرام بلا اكتراث.
-       "ماشى عادى إزاى يعنى؟"
-       "طويل أسمر...بس"
-       "أسمر؟ هو منين من مصر؟" سألت نالا والتلهف مازال يعلو وجهها.
-       "وتفتكرى هأعرف منين يعنى؟ معرفش طبعاً وبعدين وأنا مالى؟!" قالت مرام فى ضيق.
-       "يعنى ايه تعرفى منين؟ مش شفتيه وأتكلمتوا مع بعض, طبيعى يعنى انك تسئلى"
-       "أنا مشفتوش غير مرة واحدة ومتكلمناش ولا حرف"
-       "ليه؟ هو مش بينزل من الأوضة أبداً؟"
-       "لا انا اللى فوق على طول"
-       "علشان متخلفة!" قالت نالا فى نفاذ صبر.
-   "وانا مالى بيه؟ واحد وجاى يزاحمنى البيت, أقعد معاه ليه؟ وبعدين مين ده اللى يخلينى أغير نظام حياتى علشان أتكلم معاه؟ أنتى مجنونة ولا ايه؟ وبعدين انتى ليه متخيلة انه واحد جاى من السما علشان يغير حياتى وحياتنا كلنا؟ ليه كل ده ومين ده أصلاً؟ احنا اللى فرصة بالنسبة له مش هو اللى فرصة لينا! احنا اللى اتحنا له فرصة انه يحسن من نفسه ومن وضعه! يا ريت تتكلمى فى اى حاجة تانية غير الموضوع ده!"
-   "ليه كل الإنفعال ده؟ على العموم انا ماشية!" خرجت نالا وهى غاضبة من صديقتها ولم تستوقفها مرام...وهذا جعل غضب نالا أكبر.
لم يتأخر الضيف عن موعد الغداء, عندما جاء من الخارج ودخل غرفته شعرت مرام برهبة وخوف "هل سيشعر انى دخلت غرفته وفتشت أغراضة ودولابه؟" كان ضميرها يؤنبها لما فعلته. أنضمت مرام الى مائدة الطعام وكالعادة كانت آخر من ينضم اليها, رأها عمرو وأطال النظر اليها وبعد ذلك نكس عينيه الى طعامه مرة أخرى ولم يرفعها إلا وهو ذاهب لغرفته. مرت بضعة ساعات وذهبت مرام لغرفتها وقابلته فى الممر صدفة (كان فى طريقة للخروج) أستوقفته وقالت:
-   "انت مكنش عاجبك الأكل النهاردة؟" قالت مرام وابتسامة حلوة كبيرة تعلو وجهها. أرتبك قليلاً ولم يرد إلا بعد فترة قصيرة من الصمت والدهشة.
-       " لا بالعكس! الاكل كان حلو أوى النهاردة"
-       "طيب مكلتش ليه؟"
-       "انا كلت كويس!" قال عمرو وهز كتفيه لاعلى دفاعا عن نفسه.
-       "يمكن! على العموم أنت شرفتنا! عن أذنك!"
أحتفظت مرام بإتسامتها واسعة حتى دخلت غرفتها وغرقت فى دموعها. لم تعرف لدموعها سبب ولا لابتسامتها سبب ولا لكلامها معه سبب ولا لأى شئ سبب...فقط شعرت بأنها تريد أن تكلمه ففعلت ذلك دون تردد ودون أن تحضر لذلك...فقط رأته أمامها فوضعت أبتسامة على وجهها وتكلمت.
حاولت تهدئة دموعها ولكن بائت محاولاتها بالفشل...دارت كثيراً فى حجرتها وفشلت فى إيقاف أنهار الدموع المنسابة منها. مسكت بقلمها دون تفكير ودون أن تعرف ماذا تريد أن تكتب...فقط شعرت أنها تريد أن تتكلم حتى إن كانت تكلم نفسها أو الطبيعة أو سقف الحجرة! لا يهم...يجب ان تتكلم وتتلقى رد فعل لكلامها...الصفحات المسطورة بقلمها هى رد الفعل المناسب لها...صفحات بيضاء وحولتها هى إلى صفحات هوجاء مريضة!
مذكرتى العزيزة
قابلت الغريب الان خارج حجراتنا وتكلمنا! لا لا! أنا كلمته...كان خافضاً رأسه عندما جئت فى مقابلته وتكلمت معه حديثا تافهاً جداً! إنه أول حديث بيننا لابد أنه الأن مقتنع أنى إنسانة سطحية تافهة بلا كبرياء! لو قالت لى أى إنسانة انها كلمت ضيف لديهم بمنزلهم لقلت لها انه طبيعى ولكنى عندما تكلمت معه اليوم شعرت بمدى تفاهتى, ماذا قال عنى؟ ماذا شعر عندما تكلمت معه؟ هل قال انى غبية؟ هل قال انى أتمسح فيه ليكلمنى؟ لا أعلم...يا ليتنى لم أتكلم او أعطه أى إهتمام. ما أغباى!
لا أعلم لماذا أفكر فى فريدى الان...لقد جاء على عقلى الان...كان يحب الأشياء التافهة الصادرة منى. أتذكر اليوم الذى تخانقت معه فيه لانه قضى ليلة مع ابنة عمه فى المستشفى, كانت ثورة هوجاء...تخانقت معه وغضبت فترة طويلة...انا غيورة جدا...عندما أحب اكون عمياء الغيرة...حبى قاتل...حنانى شائك...عواطفى دوامات تسحبنى لأسفل وتحطم إرادتى. كنت أحب فريدريك جداً...أحبه كما لم يحب اى شخص آخر...أحب عيوبه قبل مميزاته...أقبل سلبياته قبل إيجابياته...أحب صوته وصوت أنفاسه...أحب طريقة إمساكه للسجائر بين أصابعه...أحب طريقة إمساكة للشوكة والسكين...أعشق نظراته وأذوب فيها وأصبح رماداً...ويتبعثر الرماد كلما حرك جفونه او رموشه. كنت أحفظ كل خط من خطوط وجهه...أحفظ مخارج الفاظه...أحفظ رائحة عطرة وصوت خطواته! كنت مجنونة به...مجنونة بفكرة إمتلاكه لى...بفكرة انى جزء من حياة رجل ناضج أكبر منى وإحتوائه لى! انا أحب الرجل القوى...فريدى قوى...صلب...عنيد...عصبى وطيب جداً ولديه محيط من الحنان الجارف!!
كنت أريد دائما ان أبدو جميلة فىعينيه, دائما كنت شعرت بعدم الثقة فى نفسى وانا معه فى وسط أصدقائنا. كنت أرى جميع البنات أجمل منى...أكثر جاذبية وإثارة. كنت أشعر بانى إنسانة مملة بالمقارنة. كنت أكره ملابسى وألوانى وذوقى فى الملابس عندما اقارن نفسى بأخرى...واتمنى اللا يكون فريدى يرانى كما ارى نفسى. كثيراً ما سألت نفسى ماذا يرى فريدريك فىّ؟ لماذا انا؟ لماذا أختارنى من بين جميع البنات ليحبنى؟ او لأخذ حبه؟ لماذا انا من بين جميع البنات فى العالم وفى حياته المليئة بألوان بهيجة بديعة؟ كنت دائما ارى نفسى كئيبة مظلمة الافق. كنت عندما أشتاق اليه أشعر كالمدمنين فى حالة الهياج. كنت أكلمه كل ساعة تقريبا فى الأيام التى يبعد فيها عنى, كنت أكلمه عن اى شئ وكل شئ حتى يفرغ الكلام من عقلى...وبعد انهاء المكالمة أشعر انى أريد ان أكلمه مرة أخرى لأعتذر عن سخافة المكالمة السابقة وعن ممل المكالمة والمواضيع التافهة التى أفتحها.
عندما فاتحنى فريدى فى موضوع زواجنا كدت أفقد عقلى وكاد قلبى يقفز من صدرى ليرقص على سطح القمر! كانت أسعد لحظة فى حياتى كلها...كانت لحظة توج فيها حبى الجارف العميق له قلبى...فى هذه اللحظة فقط أحسست أنى أملك الحياة بجميع أشكالها...فى تلك اللحظة أرتسمت ملامح الشجر والسماء والقمر فى عقلى...حفرت النجوم مواقعها فى قلبى...نقش حبى لفريدى اعماقى بحروف أسمه...يا الهى!!كم أحببتك فريدريك...كم كانت صدمتى فى ثقتى فى نفسى لاحقاَ!! كم أكره نفسى كلما تذكرتك! كم أشتاق اليك! أشتاق للمسات نظراتك...أشتاق لرائحة عطرك...أشتاق لحرارة جسدك التى أشعر بها عن بعد!!! كم أشتاق اليك...أن أشعر انى انسانة لها كيان وروح وحياة...أشتاق لاحساس ان لى حقوق مهما كانت ضئيلة...أشتاق للأمل مهما كان ضعيف!!!!!

الفصل الثامن

أيامـــى
صدمت اليوم عندما رأيت الفتاة وهى على كرسى متحرك! شعرت بأسى يجرى تحت جلدى...أنها فى غاية الجمال...لها عينان تجرى فيهما حياة ميتة! تكلمت معى اليوم قليلاً. كلماتها رقيقة ودافئة ولكن قلبها به الكثير من المعاناه والألم. لا أستطيع تخيل هذا الشباب الصافى بمثل هذه الحالة...انى أرثى لحالها فعلاً. أردت ان أعرف ماذا أقعدها وهل هى هكذا منذ مولدها أم تعرضت لحادث أو عملية جراحية فاشلة. ترى ما هو السبب؟ اتمنى ان تكون هكذا منذ مولدها...على الأقل لن تشعر كم أفتقدت من حقوقها كإنسانة! أستغفر الله العظيم! لا أقصد هذا! أستغفر الله العظيم!
ربما نكون أصدقاء فى يوما ما وأعرف كل شئ. يبدو عليها الشقاء والمعاناه. عينيها تحوط بهما هالات زرقاء...وجهها أصفر بالرغم من المساحيق الكثيرة! يبدو عليها الحزن فى كل خط من قسماتها. ربما يوجد سر بحياتها أو حالتها هى التى تجعل الاخرين يشعرون بغموضها وغالباً ما يرجع ذلك لإحراجهم من الموقف...إحراجهم من كونهم اصحاء!
ذهبت اليوم للكلية لقضاء بعض الاجراءات, انى فعلاً مذهول من سهولة الإجراءات هنا...تقابلها على النقيض وعلى نفس المستوى تعقيدات لدينا. أحزن كلما تذكرت انى لابد ان أذهب مرة أخرى لمصر ولتعقيد القاهرة وأهالى القاهرة. أعلم انى لست فى حالة للحكم على البلد وأهلها أو حتى أهل هذا البيت ولكنى أشعر بالحياة بدأت تدب فى دمائى مرة أخرى...أشعر انى انسان...أشعر بأدميتى هنا! نعم إلى هذا الحد وصل شعورى بالامتهان والتدنى.
أشعر بوجود الكثير من التناقض فى هذا البيت, الأم تبدو سعيدة والأب يبدو غير مبال والأبنة حبيسة كرسيها والأبن لم أقابله إلى الأن...أعلم ان بى الكثير من التناقض أيضاً...أعرف انى منافق لشعورى بالتناقض بين هذه الجدران ولكن هناك الكثير من التناقضات بين أذنى! عقلى به الكثير من الأفكار المشوهة والغير مكتملة النمو عن العالم المثالى. أريد الصفاء, وأريد الصخب, وأحب الهدوء, وأكره الرتابة, وأطوق للاستقرار. أحب الله وأكره الحب! أعشق الموسيقى وامقت الغناء! أحب الاداب ولا اتذوق الشعر. لدى الكثير من الطاقة وفى غاية الكسل. أعيب على غيرى التخاذل وانا لا أستطيع التحرك بلا محفز خارجى. يا لى من مخادع!!!
-----------------
مضت بضعة أيام وعمرو يذهب فى الصباح للكلية او لزيارة البلد ومرام مستمرة فى فرض الإنفراد على نفسها, والام تجدد حيرتها كل صباح بشأن ما يجب أن تصنعه للغداء والأب غير مبال والأبن يتعامل معه على أساس انهم أصدقاء قدامى جداً! مرت أيام هادئة لا يشوبها اى شئ غير القلق الغير معلن من جانب الأم جرّاء خوفها من اللا يعجب الضيف الأصناف الإيطالية التى تطبخها!
بعد حوالى أسبوع أستيقظت الام فى الثلث الأخير من الليل على صوت تليفونها المحمول...أنتفضت من سريرها مذعورة...كان رقم أبنتها! لم تعرف ماذا تفعل لقد سيطرت على عقلها سحابة من الفزع والنوم والشعور بأنها تحلم. ضغطت على زر الإجابة ولكن لم يجبها احد! جرت لحجرة ابنتها ووجدت مرام مستلقية على السرير وفى يدها التليفون المحمول, كانت عينيها نصف مفتوحة ووجهها شاحب وقطرات عرق عليه. كانت الام مازال لديها الشعور بأنها تحلم.
-      " مرام فى ايه؟ مالك؟" كان الرعب مسيطر علي عقلها النصف نائم.
-       "تعبانة!" لم تقو مرام على قول أكثر من ذلك. تحسست الأم جبهة أبنتها وكانت مرتفعة الحرارة جداً.    
         نادت زوجها وفى دقائق كان البيت مستيقظ وكانت العائلة مجتمعه فى حجرة الابنة. حاولوا الإتصال بطبيب العائلة ولكن كان الوقت متاخر للغاية والتليفون الجوال الخاص به مغلق. اتصلوا بالإسعاف ووصلت فى حوالى عشر دقائق. كشف عليها الطبيب وتم نقلها للمستشفى.
ذهب الاب والام معها وفى الصباح كانوا بالمنزل وتركوا مرام بالمستشفى. لقد أصيبت مرام بقرحة فى قدمها من جرّاء الإحتكاك الدائم بالكرسى وتلوثت وتسببت فى أصابتها بصديد وأرتفاع فى درجة الحرارة. كانت حالة القرحة سيئة للغاية – انها مثل قرح الفراش – ويستلزم معها التدخل الجراحى.
-       " مرام عأملة ايه دلوقتى؟" سأل عمرو بإهتمام عند عودتهم من المستشفى.
-       " معرفش الحقيقة يا عمرو. بس مقالتش ليه لأى حد فينا أنها تعبانة"
-       "هى عندها ايه بالظبط؟"
شرحت له الام كيف جلوسها الدائم على الكرسى وإحتكاك قدمها بأستمرار أدى إلى هذه الحالة.
-       " طيب والحل؟" سأل عمرو بإهتمام.
-       " لازم تدخل جراحى. أصل الموضوع كبير أوى. بس الوقت هنا عامل مهم جدا."
-       " طيب حضرتك تعرفى الحالة بالظبط ايه؟"
-   " دى زى قرح الفراش اللى بتيجى للناس الكبار من كتر النوم على مكان واحد او الرقود المستمر, بتيجى فى اماكن الارتكاز زى الكعب واعلى الظهر, مرام الحمد لله مش نايمة على طول وكعب رجلها هو اللى اتصاب. ده بسبب انها مركزة بصفة مستمرة على كعبها وهى على الكرسى وهى فى السرير. المفروض انها تبدل وضع قدمها بصفة مستمرة والدكتور قال لها الكلام ده قبل كده بس هى مابتسمعش الكلام. هى عنيدة اوى. المهم ان القرحة دى مفتوحة وحصلها تلوث وسبب التهاب شديد جداً فى المكان ده وأصابها بصديد وكان ممكن يعمل لها تسمم فى الدم. وحرارتها ارتفعت بسبب التلوث فى الدم اللى حصل لها."
-       " بس دى حاجة خطيرة جداً!" فزع عمرو وهدوء الام أصابه بالذهول.
-       "ربنا يشفيها!" قالت الام والاسى على وجهها ولكن لا يعبر عن خطورة الموقف.
-   "هى فى اى مستشفى؟" سأل عمرو بإهتمام بالغ. شرحت له الام مكان المستشفى وقالت له انه لا ضرورة له بأن يذهب ولكنه صمم على زيارتها فى المساء.

أيامـــى
صحوت فى حوالى الساعة الرابعة فجراً على أصوات كثيرة بالحجرة المجاورة لحجرتى...حجرة مرام. سمعت أصوات عالية وأصوات اقدام تذهب وتجئ...اُحرجت ان أخرج من غرفتى وأزج بنفسى فى أمورهم. عرفت بعد ذلك ان الأبنة ذهبت للمستشفى فى سيارة الاسعاف! كم هى مسكينة تلك الفتاة! يبدو أن عائلتها لا تهتم بها كثيراً او ربما هى طردتهم جميعاً من حياتها, يبدو على الأم القلق ولكن ليس لدرجة البكاء مثلا. الابنة فى حالة خطرة كما فهمت والام رجعت للبيت لصنع الأكل!! كنت سأذهب اليوم للشاطئ ولكن لا أستطيع, أشعر بالذنب لكونها بالمستشفى وانا أستمتع بالشمس والهواء والبحر, ربما لانى اسكن منزلها وربما لانى جارها بنفس الطابق وربما لشعورى الجارف بالإشفاق عليها. فأنا أستطيع الذهاب أى وقت للشاطئ وهى ربما تكون مستلقية الان على سرير بارد وسط أشخاص لا تعرفهم ولا يهتمون بأمرها...ربما يهتمون قليلاً لأنها وظيفتهم وإن لم يهتموا سيفقدون الوظيفة...اذن انه إهتمامهم مصطنع وليس به دفء!! سأزورها اليوم ان شاء الله!
-----------------
فى حوالى الساعة السابعة ذهب عمرو لزيارة مرام بالمستشفى. وصل لحجرتها وطرق الباب بلطف ولكن لم يلق إجابة, طرق الباب مرة أخرى ولم يرد عليه أحد أيضاً. دفع الباب قليلاً وألقى السلام وصله صوت ضعيف من الداخل...صوت مخنوق ومرهق. دخل الحجرة وكانت مرام وحدها بفراش المرض.
-       "السلام عليكم!" قال عمرو.
-       "اهلاً عمرو!" قالت مرام بصوت ضعيف.
-       "الف سلامة عليكي! هو بابا وماما مش هنا؟"
-       "لا!" قالت مرام محاولة ان تجعل بصوتها بعض الصحة والراحة.
-   "انا أسف انى جيت لوحدى بس أفتكرت انى هلاقى حد معاكى! سلامتك ان شاء الله تقومى وتبقى كويسة" شعر عمرو بالاحراج الشديد لكونه معها وحدهم.
-   "متشكرة! مكنش فى داعى تتعب نفسك. انا كويسة!" قالت وهى تنظر لباقة الزهور بيده. من شده حرجه نسى ان يعطيها اياها.
-       "اه! أسف" أعطاها الزهور وأبتسم بإحراج.
-       "ولا يهمك. متشكرة اوى, انا بحب الورد جداً!"
-       "ربنا يقومك بالسلامة بس لازم تاخدى بالك من نفسك"
-       "..." لم ترد عليه وتشاغلت بالنظر إلى باقة الورد.
-       "أنا هاسيبك بقى تستريحى"
-       "أنا مش متضايقة من وجودك هنا! إلا إذا كان عندك أرتباطات" ندمت مرام شديداً بعد ان نطقت ذلك.
-       "بالعكس انا أحب افضل معاك بس علشان انت تعبانة!"
-       "على العموم انا متشكرة جداً على الزيارة اللطيفة دى وعلى الورد الرقيق ده" قالت وهى لا تنظر اليه من شدة خجلها.
-       "السلام عليكم"
-       "مع السلامة!"
خرج عمرو من عند مرام وحزن كبير يسيطر عليه وشعور بالإشفاق عليها يملأ عقله! ولكن بعد خروجة للشارع أنتفضت من عليه هذه المشاعر وأنتهت الى التمنى لها بالشفاء.
        بعد خروج عمرو ظلت مرام تحدق بالزهور طويلا...عدت الباقة وكان عددها أثنتا عشر! مرام تحب الارقام الزوجية وكان ذلك كافيا لجعلها متفائلة. مرت ساعات طويلة وهى بغرفتها بالمستشفى وحدها لا يزورها احد. عدت الزهور عدة مرات وعدت عدد الورقات بكل زهرة...شعرت بملل هائل يتسلل لنفسها ويسحقها! ضغطت على زر بجانبها لتستدعى الممرضة. وجائتها بعد دقيقتان وطلبت منها مرام بعض الأوراق البيضاء وقلم. بعد وهلة جائتها الممرضة بالأوراق والقلم وجذبت لها المنضدة المخصصة للطعام وتركتها تكتب.
مذكرتى العزيزة
        دخلت المستشفى اليوم! أعلم ان لدى قرحة بكاهلى منذ مدة ولكنى لم اهتم بها كثيراً! يا لى من حمقاء! أعلم لماذا فعلت ذلك...فعلت ذلك لأنتقم من نفسى...أعلم تماماً ان هذه القرحة من الممكن ان تسبب تسمم الدم والموت ان لم يتم معالجتها فى الحال. أعلم ان الاحتكاك اثناء النوم والجلوس على الكرسى اللعين يسبب التهابها أكثر...أعلم ان إرتداء الاجذية الجلد يسبب تدهور بها...أعلم ان عدم تهويتها يصيبها من الداخل وأعرف تماماً ان عدم إستخدام الادوية المخصصة لها وعدم تقليب قدمى باستمرار يعرضنى للخطر...وبالرغم من كل ذلك لم أهتم...لم أبال بحالى وبصحتى. ماذا يمكن ان يحدث لى بعد ذلك؟ ما هو الاسوأ من الشلل والجلوس لبقية عمرى؟ ما الاسوأ من الموت أحياء؟ ما أصعب من الصمود أمام بركان الحياة بلا دروع او واق؟ ما أحقر من الجلوس وحيداً فى حجرة باردة ثقيلة على النفس والروح؟ كم هو موحش قبرى الزجاجى!!!
        زارنى اليوم الغريب واتى لى بباقة زهور رائعة. بها ألوان كثيرة يبدو انه لا يفهم فى ذوق إهداء الزهور. بها زهور حمراء وصفراء وبيضاء وبنفسيجية‍‍‍‍‍‍!!‍‍ وأنواع لا تليق ان توضع سويا فى باقة واحدة! ولكن هذا لا يهم...لقد كلف نفسه زيارة مريضة راقضة مسكينة مملة كريهة مثلى! يا له من انسان نبيل...لم أتوقع منه مثل هذا التصرف. لابد انه شعر انى فى حاجة الى تلك الزهور المقطوفة الميتة...انى انظر اليها كثيراً على قدر الامكان لأن بالصباح سيزول رونقها وتصبح مثلى...رقيدة بها القليل من ألوان الحياة...وبعد يوماً اخر ستزول رائحتها وتصبح شبحاً بلا بريق...وبعد ذلك تفقد شكلها وتصبح كالقبور بلا اى شكل من أشكال الحياة الزائفة اللزجة!!! لماذا يهادى الناس بعضهم بزهور ميتة؟؟؟ لماذا نقتل الزهور ونهدى جثثها لمن نحب؟؟؟؟ وهل نحبهم فعلاً؟ إن أحببناهم لاهدينها لهم قطعة من الحياة وليس قطعة من القبر!!! انا أحب الزهور...هل معنى ذلك انى أحب الموت؟؟ هل معنى ذلك انى استمتع بقتل الأرواح للاستمتاع بأجسادها وألقى بها جانباً عندما تبدأ التحلل والذبول؟ هل انا بهذه القسوة؟ هل هو بهذه القسوة؟ هل نحن ادميون حقاَ؟
        يا لى من حمقاء عفنة التفكير!!!!!!!!!!!


to be continued...
ريم اسامة
https://www.facebook.com/groups/329904227056535/

No comments:

Post a Comment