الفصل
الثالث
لم تنام مرام تلك الليلة...لقد أذتها نالا
بكلامها مرة أخرى بلا قصد. كانت نالا الصديقة الوحيدة التى تتكلم معها بلا ان
تشعرها أنها مشلولة...كانت مرام تحب ذلك ولكن كان يؤلمها أن تشعر أنها تعيش حياة
مختلفة عن باقى الناس...حياة مملة...ساكنة...مخدرة. كلما شعرت أنها مختلفة عن أقرانها
تنظر بداخلها لترى التميز بها ولكن كل ما تراه دائما هو ساعة رمال مملة والرمال
محشورة بمنتصفها...حياتها لا تمشى...ثابتة ومعلقة وصدئة. بداخلها كان الوقت
ساكن...بالخارج كانت الحياة تجرى أمامها بلا ان تلمسها...بلا ان تؤثر فيها. كانت
مرام تشعر وترى كل شئ...ترى كل الناس...تسمعهم وتراقبهم...ولكن لا تصل لهم ولا
يصلوا لها. إنها تراقبهم فقط...الحياة تجرى حولها من جميع الاتجاهات ولكن الرياح
دائما تصتدم بجدار شفاف أمامها ولا تصل اليها...والرياح ليست بالقوة الكافية لتحطم
حاجز حياتها الصامت الأصم!
كانت الحياة صامتة فى تلك الليلة...ولكن كان
بداخلها صخب. تجولت فى حجرتها بعينها لعلها تتشبث بشئ أكثر متعة من الظلام الدامس
حولها...كانت أشعة القمر تنعكس على صفحة البحر وترتسم على سقف حجرتها المطلة
عليه...كانت دائما تترك شباكها مفتوح بالليل...كانت صفحة الليل السوداء تؤنس
وحدتها لتشابه ألوانها من ألوان حياتها...كان الليل وحيد وكانت وحيدة...الليل صامت
وحياتها كذلك...كان الليل مخيف وهكذلك كان مستقبلها! البحر كان الشئ الوحيد
المتحرك فى حياتها...كانت الشمس هى الأمل المفقود كأن اشعتها الذهبية تعكس ذكريات
حلوة وباهتة بعقلها. بعد فترة من رصد حركات الضوء الخافت ذهب عقلها للماضى...للحب
المفرغ من أى مشاعر...ساكناً لديها تحرك قليلاً من مكانه وجائتها فكرة لم تطرأ لها
من قبل...لماذا لا تكتب مذكراتها!! بس أكتبها ليه؟ سألت نفسها ولكن لم
تحاول ان تجيب. اضائت النور بجانب سريرها...جذبت جسدها النصف أصم وأجلست نفسها على
كرسى متحرك بجانبه. حركت الذراع الاتوماتيكية وذهبت لمكتب صغير على الجانب الاخر
من الشباك وجذبت بعض الأوراق البيضاء وقلم...
مذكرتى
العزيزة
جاتنى فكرة ان أكتب مذكراتى لسبب لا أعرفه...لم
أفكر من قبل فى الكتابة ولكنى لم أتردد لحظة فور ان جائتنى الفكرة...لم أكتب أبداً
قبل ذلك...بس مش مهم...انا بأكتب لنفسى...
انا مشلولة نصفى منذ حوالى تلات سنين...أتعلمت
كتير وأتألمت أكتر...فقدت الكثير...فقدت ثقتى فى نفسى...فقدت أصدقائى...فقدت
شخصيتى...وحبى أيضاً!
عمرى ما خرجت خارج باليرمو...أنا مصرية لكن عشت
حياتى كلها فى إيطاليا. أنا حاليا عندى 25 سنة...الحياة لم تعطنى فرصة لأكتشفها...فور
إنتهائى من الدراسة الجامعية...أنتهت حياتى خارج المنزل!!
ثلاث سنوات هى مدة حبسى الإنفرادى داخل جسد لا
يتحرك...حبس داخل نفس ماتت ولم يبق منها غير فتات إنسانة كانت يوم ما تحيا!
لم أفكر من قبل فى ان أكتب ما أشعر به...ربما
فاضت بى نفسى المقتولة...ربما لا يتحمل عقلى المزيد من اللوم والكراهية
والوحدة...ربما أريد ان أسجل ذكرياتى مع الحياه قبل ان تصدأ ذكراها داخلى!! ربما أريد
ان أكتب وشئ بداخلى لا يزال يتذكر انى كنت فى يوما ما أتحرك...
لا أريد ان أكتب ما حدث لى داخل سيارتى
المنكوبة...لا أريد ان أقول اى شئ عن الليالى الطويلة الساهرة داخل المستشفى...لا أريد
ان أتذكر كم تالمت وجميع الأمال بداخلى تتمزق واحدة تلو الاخر!
ولكن أريد ان أصف ما أشعر به حاليا! لدى شعور
جارف بانى أريد ان أكتب ما أشعر بالضبط! أشعر بأنى داخل صندوق زجاجى بلا
مخرج...بدون باب...صندوق من الزجاج القاسى...وانا لا أقو على كسر حوائطه! أشعر بان
الحياة ترفض وجودى...ترفض الأعتراف بى ككيان بها...تلفظنى كما يلفظ البحر المدخلات
عليه!! أشعر بأنى ألفظ الحياه من داخلى أيضاً...أرفض الأعتراف بأنى جزء
منها...وكلا الشعورين يقتلنى! أرى الحياة من خلال الزجاج من جميع الإتجاهات...الحياة
حولى فى كل مكان ولكنى لا أشعر بها...لا أتفاعل بها ولا تتفاعل بى! أراها كلما
التفت وأرى كل شئ وأسمع كل شئ ولكنى افقد مذاقها! وكيف أتذوق خلال الزجاج؟!! وهذا
الصندوق لا يعطنى فرصة حتى لأختلى بأحزانى وأحاول الرضاء بها...لا يوجد إتجاه واحد
فى حياتى لأنزوى بنفسى والملم الآمى وأحاول تضميدها فى صمت!!!
لدى صديقة واحدة هى التى تجعلنى أعترف بأنى جزء
من مجتمعها...من حياتها...من إهتمامها...إنها نالا...صديقتى الوحيدة! لا أعرف
لماذا لم أرفض بقائها بحياتى ولم أطردها من حياتى الصغيرة التافهة! أشعر الان انى أسقط
من مكان عالى جداً ولكنى لا ارى الأرض ولا أرى ما سوف أسقط عليه...أشعر بأنى أسقط حتما
ولكن لا أعرف متى سأصطدم بالصخور...هل سأصطدم بالأرض وأتحطم ويتحطم صندوقى الزجاجى
ويقتلنى!...ام سأسقط فى المياة وأغرق أو أختنق داخل صندوق عذابى! لا أعلم ما
ينتظرنى...ولكنه أتٍ بلا شك...
ولكن ربما أسقط من الأرض للفضاء! فضاء بلا
نهاية! [لم بلا نهاية! سقوط بلا نهاية!
الفصل
الرابع
اليوم
التالى كانت العائلة خارجة فى رحلة الى أحد الشواطئ. رفضت مرام الذهاب ولم تذهب
نالا معهم وفضلت البقاء مع صديقتها. أرادت مرام أن تخبر صديقتها بمذكراتها ولكن أرادت
الاحتفاظ بشئ واحد على الأقل عن صديقتها. ربما لان لم يكن لمرام الكثير من الحياة
لتحتفظ بها...كانت حياتها صغيرة للغاية ولم يكن بالاستطاع الا تعرف نالا كل شئ
عنها. كانت حياة مرام مختلفة عن باقى أقرانها...كانت حياتها كالسلم المكون من درجة
واحدة فقط! وبهذا لم يكن لديها الا اختيار واحد فقط...وهو ان يكون الأشخاص بحياتها
او بخارجها! لم يكن لديها إختيار آخر! وكانت نالا تتوسط درجة حياة مرام.
أرادت مرام ان تختلى بنفسها قليلاً لتكتب
المزيد من مذكراتها...أنتابها شعور خافت بالسعادة لتمكنها من ترجمة ما تشعر به على
الورق...لم تعرف كيف تصرف نالا...انها المرة الاولى التى تشعر مرام فيها بثقل وجود
صديقتها معها. ادعت النعاس وانصرفت نالا على الفور.
مذكرتى
العزيزة
اليوم مشرق حقاَ! لقد ذهبت عائلتى وبعض الأصدقاء
إلى الشاطئ...حاولوا أخذى معهم ولكنى لا أتخيل نفسى وسط هذا الكم من البشر فى وقت
واحد وفى مكان مفتوح جداً كالشاطئ! نالا كانت هنا, فضلت البقاء معى ولكنى عندما
ادعيت حاجتى للنوم أنصرفت على الفور...أحياناً كثيرة أتخيل نفسى مكانها. ياله من
شعور ممل الجلوس إلى شخص قعيد مثلى! إنى اشفق عليها كثيراً مما تفعله بنفسها
ومعى...أحب الجلوس اليها ولكنى غالبا لا أجد اى شئ أقوله...وتقريبا كل شئ تقوله هى
يشعرنى بالأم...ولكنها هى الوحيدة التى تعكس الحياة خارج الصندوق الزجاجى
بداخلى...انا أحب صحبتها حقاَ ولكنى لا أملك اى شئ اقدمه اليها غير إبتسامات أعلم تماماً
انها مقتولة!
أريد ان أكتب كثيراً ولكنى للأسف لا أعرف
كيف أرتب أفكارى...دائما لا أعرف كيف أفكر لنفسى بطريقة صحيحة...حتى عندما كنت مع
فريدريك لم اكن أستطيع التصرف معه بعقل...دائما أتخبط عندما أفكر لنفسى...ولكنى
ممتازة فى التفكير للاخرين. ولكنى أعتقد ان معظم الناس كذلك, لأنك عندما تكون خارج
الدوامة من السهل ان ترى الفرع الممتد داخله وتفكر كيف لا يرى ذلك الاحمق الفرع
ليخرج؟!! هذه هى الحياة أعتقد! دوامات كثيرة وأفرع أكثر ولكن كثرة الدوار
تجعلنا نتخبط بالفروع ونلعنها لأنها تدمى أقدامنا بلا ان نتيقن ان هذه الأفرع
الكثيرة هى الطرق العديدة للخروج من المشكلة!
نالا لديها مشكلة مع انسان تحبه...ولكنها
معتقدة انها تحب!...ولكنها فى الحقيقة تملأ فراغاً بحياتها. بعد التخرج من الجامعة
والعمل كسكرتيرة لابد انها ترى الحياة شأحبة وتريد أن تضع بعض الدماء بها...دائما
تقع نالا فى الحب بسهولة... وبسرعة...تماماً كما تشعر بالجوع فتقرر ان تأكل أى شئ
يقابلها...إنها كذلك...تتعلق بأى شخص تراه أمامها. إنها كابوس عندما تحاول تضميد
جراحها (كما تقول) بشخص آخر. فإنها تكون فى غاية الأنانية والعصبية والإمتلاك له!
ربما أكون انا كذلك أيضاً ولكنى لست مجنونة مثلها على الأقل. فى حياتى لم أحب كثيراً
مثلها...ولكنى كنت أحب فريدريك حقاَ بكل جوارحى وعقلى...كنت أعتقد انه أنسب شخص
لى...وانا الأنسب له فى هذا العالم المتوحش البغيض. ولكنى صدمت فى حبه لى كما صدمت
فى قدرتى فى إحتمال عدم وجوده بحياتى! أحياناً كثيرة أعتقد انه السبب فيما أعانيه
الأن...كنت أفعل ما بقدرتى لأبدو جميلة فى تلك الليلة اللعينة. كنت أتعذب عندما
يثنى على أى بنت...كنت أشعر بغيرة عمياء تتركنى كالمجنونة ولكنى كنت أقاوم شعورى
العارم بان أذهب خلف الفتاة وضربها حتى الموت! لم أكن أحتمل وجود إنسانة أجمل منى
فى عينيه...وكان فريدى يهوى غيظى فى كثير من الأوقات...فعندما اكون فى قمة تالقى
فى اى مناسبة يتعمد اثارتى بتعليقاته على الفتيات بالحفل. وفى هذه المناسبة
الاخيرة لى كنت مصممة ان ابدو بشكل جديد تماماً عليه...كنت متبعة نظام غذائى حاد
جدا...وتعمدت عدم رؤيته لفترة اسبوعان قبل الحفل...كنت أريد ان اغير شكل شعرى
وشراء فستان جديد غالى. ان فريدى هو السبب فيما أعانية الأن بشكل أو باخر...او
هكذا أحب أحياناً ان أقول لنفسى.
بعد الحادث مررت بكثير من الحالات
النفسية المتضاربة والمجنونة أيضاً...كنت أرفض تماماً أن أكون قعيدة. أرفض فكرة
انى أصبحت فتات إنسانة. مررت بفترة من الحقد على كل انسان حولى وكره كل شئ. كنت أحقد
على أمى لإستطاعتها التحرك وكنت أكره أخى الأكبر وأنا أسمع صوت خطواته الثقيلة على
السلم...كنت أكرهه أكثر وهو يتثاقب على درجات السلم صباحا...كان ذلك كافيا لأبكى
النهار بأكمله! كنت أكره اصدقائى لأنهم كانوا يزورنى كما يزورون المدافن! قمة
الوقار والإحترام والحزن فى أسعينهم...لا أريد ذلك حقاَ, وكنت أعلم انهم سوف
يتوقفون عن زيارتى يوما ما. فبادرت انا بقطع علاقاتى بكل ممن حولى...إلا نالا...لم
أحسبها من أصدقائى...كانت صورتى كما أحبها...كانت انا فى صورة أكثر جنونا وإنطلاقا
وحيوية وجمالاً. نالا أجمل منى بالقطع...طويلة ممشوقة, شعرها فى لون البندق وعينها
زرقاء مائلة للرمادى! انها جميلة حقاَ, كنت سابقاً أغار منها ونحن بالمدرسة ولكنى
تعودت ألا أغار منها أبداً...انها انا ولكن فى صورة أحلى وأكثر لمعانا!
خلال الفترة الأولى بعد الحادث أصبحت كل أحلامى
سراب وأوهام! لا أكاد أتذكرها الا نادراً جداً وأضحك من شدة سخرية القدر والدموع
تملأ عينى وحلقى. كنت أحلم بيوم التخرج وأحلام يوم إرتباطى بفريدريك تتجسم يوماً
بعد يوم, ففى يوم أخذنى وذهبنا إلى معرض موبيليا. أخذنى إلى الطابق العلوى بالمعرض
كمن يعرف طريقه واوقفنى أمام حجرة نوم وأشار إليها وقال "إيه رايك؟" لم أفهم
ولم أعلق فقال"مش عجباكى؟" فقلت له "تعجبنى انا؟ ليه؟" لم اكن
افهم حقاَ ما يعنيه...كنت أدرك ان تقدمه لى لم يكن يعنى زواجنا فى القريب العاجل
ولكنه قال "علشان دى هاتبقى بتعاتنا". لم افهم أيضاً...عرفت انه يقصد
انه يريد هذا الذوق من حجرات النوم ولكن لم أتخيل انه يقصد فعلاً شرائها لمنزلنا (منزلنا؟!!
كما هى حلوه تلك الكلمة! بها الكثير من الودّ أكثر من اى شئ آخر!) قلت "انت
هاتشترى دى لينا؟" وأدركت ما يريد أن يقوله...كان بالفعل يبحث فى المعارض عن أثاث
لمنزلنا. كنت أكثر الناس سعادة فى هذا اليوم...بالرغم من انه يقول انه يحبنى كثيراً
ولكنى لم أحس بعمق حبه لى كما أحسسته فى تلك اللحظة. كان رائعاً. وبهذه التصرفات
كنت أزداد حباً لفريدى ويزداد حلمى ألواناً!
ولكن بعد الحادث لم أستطع البقاء على
الحب بيننا...ربما لأنى كنت متيقنه أنه لن يتزوج معاقة! يالها من كلمة قاسية!
معاقة! على اى حال كانت حالتى النفسية لا تقبل شفقة من أى شخص حتى منه, حاول أللا
يتخلى عنى ولكنى بادرت بإبعاده عنى لشعورى
بالإعاقة!!! وياله من شعور...انه شعور أن ليس لديك حق الأعتراض...ليس لديك حق الأمتلاك...كل
ما تمتلكه هو ابتسامة شجاعة حتى لا تحرج من أمامك!!!
الفصل
الخامس
قفزت نالا من مقعدها
-
"انت بتتكلمى
بجد؟"
-
"باتكلم جد
جدا!" قالت مرام.
- "يعنى فى ناس جايين
من مصر علشان يعيشوا معاكوا هنا فى بيتكم؟"
- "ده اللى ماما قالته
لى امبارح"
- "مقلتليش ليه؟"
قالت نالا بعتاب.
- "انا أول ما عرفت قلت
لك نالا!"
- "مين دول؟"
- "ماما بتقول أنه إبن
صاحب بابا"
- "ولد؟ رائع"
صاحت نالا وإبتسامتها تصرخ بالفرح.
- "ايه الرائع فى
كده؟"
- "دم جديد, حياة
جديدة, تغيير يا ميرو...تغيير"
- "وانا مالى ومال
الغيير؟"
- "يعنى ايه؟ انت عايشة
هنا, يعنى الموضوع يخصك برده"
- "..." لم تعلق
مرام على ما قالته صديقتها.
- "ماتقوليش انك مش
ناوية تخرجى من هنا!!"
- "ده فعلاً اللى هايحصل!"
- "لأ! بلاش من فضلك
بقى... انت بقالك كتير مبتخرجيش من السجن ده! كل حياتك قدام الشباك اليتيم ده...كل
حياتك عايشاها قدام البحر من ساعة ما..." لم تستطع نالا ان تكمل ما قالته,
شعرت انها لم يكن من اللائق ان تقول ما تجرح به مرام.
- "من ساعة ما بقيت
مشلولة!"
- "انا اسفة" قالت
نالا فى خجل شديد.
- "هى دى الحقيقة, مش
لازم نستخبى منها"
- "على العموم انا لازم
امشى دلوقتى...متأخرة اوى على الشغل"
- "شغل؟ الساعة
عشرة...انت هاتروحى اصلاً؟"
- "قلت للمدير ان عندى
كشف فى المستشفى فسمح لى أروح للمكتب متأخر شوية. سلام"
فى اليوم السابق قالت
والدة مرام انهم سيستقبلون ضيف خلال اسبوع وسيبقى عندهم عدة أشهر لدراسته
الماجستير فى الجامعة, ووالده من أعز أصدقاء والد مرام وهو مدين لصديقه بالكثير
ولذلك عرض بقاء الابن لديهم حتى الإنتهاء من الدراسة.
-
"وليه مايرحش
المساكن المخصصة للمغتريبن؟"
-
"بابا مصمم انه
يفضل هنا...بيقول ان صاحبة عزيز اوى عنده ولازم الولد يفضل هنا"
- "وهاينام فين؟ مفيش
عندنا مكان"
- "فى الاودة اللى جنبك
هنا"
- "لا! ميفضلش
جنبى...ينزل الدور اللى تحت...فى اودة زيادة"
- "دى صغيرة اوى
ومينفعش ينام فيها...عيب" نهتها امها من التفكير فى معاملته بشكل سيئ.
- "بس..."
- "خلاص! بابا قرر وانا
موافقة واخوكى كمان معندوش مانع"
- "يعنى انا رايي ملوش
لازمة...بتقولى لى ليه؟!" شعرت مرام بالإهانة.
تركتها أمها ولم تجبها.
ظلت مرام الليل بأكمله تتخيل ما سيكون شكله وكيف سيتصرف بالبيت وكيف تتصرف وكل هذه
التفاصيل الصغيرة, حاولت مرام الكتابة فى تلك الليلة ولكن قلمها رفض الإستجابة
لها.
حاولت الكتابة اليوم
التالى ولكن فشلت أيضاً, لم تعرف ما أصابها وأصاب قلمها. ولكن لم تبال, خرجت من
حجرتها لترى الكثير من الاستعدادات بالمنزل. الحجرة بجانب حجرتها كانت مفتوحة وكل
ما بها من أشياء قديمة وصناديق وكراكيب القيت بخارجها. باقى اليوم انقضى فى تنظيف
وتنظيم الحجرة حتى تكون ملائمة.
باقى الاسبوع لم يكن
بالمنزل اى احاديث غير الترتيبات اللازمة لإستقبال الضيف, هل يقومون له حفل تعارف,
هل يطبخون له أكلاً مصرياً ام ايطاليًا؟ هل يضعون تليفون فى حجرته ام لا؟ وكل هذه
الأشياء الحياتية اليومية التى لا نلتفت اليها ولا نعترف بأهميتها فى حياتنا الا
اذا أضطررنا ان ننظمها لغيرنا!
وفات الأسبوع وجاء يوم إستقباله,
كان يوماً مجهداً حقاَ. أعادت الأم ترتيب الحجرة, نظفت البيت كاملاً مرة أخرى, أختارت
بعض الورود لتضعها فى زهرية فى حجرته ولكن ترددت فى ذلك عدة مرات وفى النهاية غيرت
رأيها ولم تضعها. لم تعرف مرام لما هذا الإهتمام الفائق به, انه عبئ عليهم!
ذهب الأب والأم لإستقبال
الضيف من موقف الاتوبيسات (انه قادم من روما الى باليرمو بالاتوبيس) ولم يكن أخيها
بالمنزل. تركها الجميع وشعرت بفضول غريب لزيارة الحجرة الملكية! حركت الذراع
المتحركة بكرسيها ووقفت أمام الباب فى تردد, شعرت انها سوف تقتحم خصوصية إنسان لا
تعرفه وستجرح شعوره! بعد برهة من التردد فتحت الباب...كانت الغرفة من قبل للأشياء
القديمة والمتهالكة التى ترفض الأم دائما التخلص منها لأسباب واهية. كانت الغرفة أصغر
قليلاً من غرفتها, كانت خافتة الإضائة ورائحتها توحى بالراحة والنوم فى نفس الوقت.
كان بالحجرة سرير يكفى لشخصين ومكتب وكنبة صغيرة وعدد من الأرفف الخشب وعدد آخر من
الزجاج, وكان بها دولاب متوسط وإن كان صغيراً بعض الشئ. كانت رائحة الحجرة كرائحة
الأخشاب حديثة القطع...اشتروا حاجات مخصوص علشان الولد ده؟!...كانت مرام
مذهولة من هذا التصرف الغريب والزائد عن أهميته الحقيقية.
دخلت مرام وأصبحت فى
منتصف الحجرة ودارت بكرسيها مرتين لتستوعب كل ما بها, كان معلق فوق السرير مصباح
صغير مضاء مما جعل الغرفة أكثر هدوءاً وراحة. شعرت بارتياح جارف وهى فى منتصف تلك
الغرفة الغريبة عن منزلهم. سرت قشعريرة خفيفة بجسدها, شعرت كأنها غريبة عن العالم
الذى سيضمه الزائر الجديد بالحجرة الجديدة بمنزلها القديم الممل! شعرت كأنها تنتهك
حرمة ميت فحركت كرسيها إلى الباب وقبل ان تخرج التفتت خلفها وضمت الحجرة بنظرة شاملة
وذهبت لحجرتها.
مذكرتى العزيزة
دخلت
لتوى الغرفة المجاورة لغرفتى, انها غرفة الضيف القادم من مصر ليقضى عندنا بضعة
شهور للدراسة بالجامعة. أكره فكرة وجود أغراب بمنزلى ولكن عندما دخلتها شعرت براحة
غريبة غير متوقعة من جانبى اطلاقاً. شعرت بروح شفافة تطوف بالمكان, شعرت بكثير من
الملائكة ترفرف حول الغرفة. رائحة المكان جميلة لدرجة احسست انى أريد البكاء من
كثرة الراحة التى انتابتنى. اتمنى ان أرى ذلك الشخص الخرافى الذى سيسكنها, من هذا
الذى يستحق مكان بهذه الروعة والهدوء النفسى الذى تشيعه فى الروح.
-----------------
وصلت
عائلة مرام ومعهم الضيف المنتظر. بمجرد أن سمعت صوتهم بالطابق الأسفل ذهبت لسريرها
وأدعت النوم. كانت خائفة من ان تدعوها أمها من النزول لإستقباله معهم, خافت من
نظرات الشفقة الاتية من غريب, خافت من الاسئلة الصامتة فى عين غريب عن سبب شللها.
خافت من ان يكون أول انطباع عنها هو العطف نحوها. بعد حوالى ساعة كاملة - تمنت
خلالها سراً من ان يهتم أحد بها ويدعوها للعشاء معهم او يرجوها اللا تحرجهم وتقبل
ان تستقبل الزائر معهم, او يقول لها انها من العائلة ويجب ان تتصرف على أساس انها
جزء حىّ من هذه العائلة. ولكن لم يأبه بها أحد! لم يذهب أحد ليطمئن عليها او حتى
ليسألها ان كانت تريد العشاء – سمعت صوت أقدامه! أول شئ الفت انتباهها هو وقع أقدامه
الثقيلة أمام حجرتها وتلاها أقدام امها. صوت أقدامه كانت كصوت عصفور فى وسط أصوات
الغربان! صوت غريب عنها, كانت مرام تميز من بخارج حجرتها بصوت أقدامهم, كانت لأمها
خطوة غير مسموعة كانها تطفو فوق الأرض ولا تخطو عليها, لأبيها خطا ثابتة ثقيلة
بطيئة كانه يلعن الأرض فى كل خطوة! كانت لأخيها خطوات سريعة غير منتظمة كأنه يسخر
من الحياة فى كل خطوة! كانت للغريب خطوة ثابتة مسموعة ومنتظمة كأنه يثبت لنفسه فى
كل خطوه انه مازال على الأرض الصلبة! سمعت صوت امها وتمنت سماع صوته, تمنت ان
تراه. شعرت بغبطه لأنه سيسكن الحجرة المحفوفة بالملائكة! تمنت ان تلقى به بالخارج
وتستأثر بالغرفة لنفسها ولكنها لم تشعر بالكره اتجاهه. شعرت بفضول عارم يعتليها
ويغمرها, تمنت ان تراه لتعرف على الأقل من سيقضى الليل بجانبها!
كانت
مركزة كل قواها فى سماع ما يقوله لأمها ولكن لم تسمع صوته اطلاقاً! كان صوت أمها
مميزاً بنبرته الحادة نسبيا, كانت تقول له كلمات قليلة مرحبة وتدعوه للراحة
والشعور كأنه بمنزله وانصرفت بعد ذلك وأغلقت باب الجنة!
to be continued,,,,
ريم اسامة
https://www.facebook.com/groups/329904227056535/
to be continued,,,,
ريم اسامة
https://www.facebook.com/groups/329904227056535/
No comments:
Post a Comment