بابا حبيبي

لكل واحد فينا شخصية مؤثرة في حياته ... شخصية شكلت وجدانة وميولة واهماماته واسلوبه....وكمان اخلاقه!

الشخصية اللى أثرت في حياتي هي والدي (ربنا يديله الصحة ويطول لنا في عمره)

بعيد عن السخرية من مجتمعنا او نقد الرجال (سمة هذه المدونة)... ولكن والدي هو نموذج الاب المثالي والزوج الرائع.

فكرت في كتابة  هذا المقال عندما تيقنت تماما ان هذا النوع من الرجالة اخذ في الانقراض والاندثار والندرة!

وكالعادة مش هاتكلف في اللغة :) اصل بابا بيحب اللغة العربية اوي - بس معلش المرة دي هاكتبها من قلبي من غير تكليف:))

لما كنا صغيرين انا فاكرة كويس اوي اهم حاجة عنده ان محدش يكدب! ممكن يسامحنا في اي حاجة الا الكذب...ودايما بيكرر حتى الان الحديث الشريف "ان العبد ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" والحديث الشريف ومعناه ان المؤمن من الممكن ان يرتكب الكثير من الخطايا ولكنه لا يكذب ابدا! 

وكان ده الطريق اللى كلنا ماشيين عليه ...مفيش كذب...لا احنا نكذب عليه ...ولا هوا يقول حاجة غير حقيقية! وعمره ما وعد وخلف...كل ما ننجح لازم يجيب لنا الهدايا اللى احنا اخترناها بنفسنا...مكناش طبعا بنفكر غالية ولا رخيصة ولا ينفع ولا لا...كنا نطلب وننجح وبابا يجيب على طول :) عمره ما حسسنا بحاجة اسمها اول شهر او اخر شهر او مفيش دلوقتي ومش هاينفع...عمري ما عرفت حاجة اسمها اخر الشهر دي غير لما اشتغلت. 

لما كنا اطفال (انا واختى) كان بيحاول قدر الامكان يعرفنا على كل حاجة تنفع تكون هواية...مكنش مستنى نكتشف احنا بنحب ايه...لكنه عرض علينا كل حاجة ممكن تتعرض على اطفال ونجرب..ونشوف احنا ميولنا ايه..وهوا يراقب ويغذى الميول دي...كنا بنجيب شيكولاته على اشكال ديزنى ...الشيكولاته جوا قالب بلاستيك خفيف وتطلع منه على شكل الشخصية (بطوط او ميكي ...الخ)...كنا ناخد الاشكال دي وبابا يعملنا جبس ونملاها ونحطها على سور البلكونة لتانى يوم...ونطلعها وتبقى اشكال الشخصيات بالجبس ونلونها بعد كده ونحتفظ بيها :)...جاب لنا الوان الزجاج والريليف (انابيب رفيعة للرسم على الزجاج)...وطبعا الابلاكاش والاركيت...جميع انواع الالوان والفرش وخلافه....وعرفنا على الموسيقى الاجنبية...وكان بيقوي عندنا الانجليزي بشدة...واهم من كل اللى كان بيعرفنا عليه هو القراءة...دايما بابا ليه مقولة وهي "ماتستخسريش فلوس في حاجتين: الصحة والعلم"...وكبرنا لقينا عندنا مكتبة جبارة ...كبيرة جداااا وفيها من الكتب اشكال والوان ولغات مختلفة...اوضة بحالها معمولة مكتبة ومكتب بس...عمره ما قلنا متمسكيش الكتاب ده او ابعدي عن حاجاتي! خالص!! بالعكس...كان بيقترح علينا مجالات للقراءة او اقتراح كتاب بعينه...كان بيخلينا ناخد اللى احنا عايزينه بشرط يرجع مكانة وفي حالة سليمة! اهم حاجة المحافظة على الكتب!

كل سنة ...في بداية السنة ومع اقامة معرض الكتاب كنا نروح مع بابا المعرض...يقولنا اي حاجة عايزينها هاجيبهلكوا...كنا نختار كتب تلوين...ميكي...بوسترات...وبمرور السنين اختلف الذوق طبعا...بدانا نشتري قصص مجسمة...وبعد كده قصص مكتوبة وفيها صور قليلة...وبعدين روايات صغيرة....واصبحت عادة...مستحيل يعدى سنة من غير معرض الكتاب ولازم نشتري ولازم نقرا اللى اشتريناه. وبدا يشجعنا على قراءة كتب جادة...وحببنا في السير الذاتية لشخصيات بارزة تاريخيا ...بريد الجمعة كنا نتناقش فيه كل اسبوع...وبريد الاهرام اليومي.... حبيت كل حاجة بابا حبها.

كنا نصحى بدري ايام الجمعة وننزل وسط البلد نتمشى في الهدوء وندخل المكتبات ومحلات الاجهزة الخفيفة ومحلات العدد :) ونتفرج على محلات البراويز واللوحات. ولازم نشتري اي حاجة...لازم يجيب لي حاجة ولاختى. 

لما نسافر المصيف كان يدينا مبلغ مبالغ فيه نصرفه على اي هبل...مصيف بقى...نركب عجل او نجيب بيه حاجات حلوة...نركب مراجيح او لعب العيال دي. 
جربنا رياضات كتير انا واختى لحد ما استقرينا على حاجة نحبها...كان بيودينا بعد شغله - يعنى حجة الرجالة اليومين دول باطلة الحمد لله!

لما كان عندي 11 سنة انا فاكرة كويس جدا هو اللى شجعنا على الكتابة على الكمبيوتر بطريقة الtouch type ...كل خمس حروف اكتر في الدقيقة بخمسة جنيه :) كان صيف هايل الحقيقة ومربح للغاية - احنا طبعا اتعلمنا زي القرود علشان الفلوس...ولكنه طبعا كان بيبص للصورة الاكبر!

علمنا ازاي نفك النجف وننضفه ونركبه تانى :) 

علمنا ازاي نصلح الاعطال البسيطة...ازاي نصلح الفيشة البايظة...نركب ضلفة مخلوعة...نركب مفصلات...ندهن الخشب (حرق الدهان القديم ومعالجة الخشب وتأسيسة ودهانة مرة اخرى). لحسن حد يفتكر ابويا عامل ولا حاجة ...بابا ضابط مهندس...بجانب شغله المرهق جدا وبجانب عدم تواجده لظروف عمله قدر يعمل كل حاجة معانا...حجة مفيش وقت بتاعة رجالة اليومين دول عمري ما حسيتها مع ابويا.

بابا كان عايزنا احسن ناس في الدنيا - عايزنا مانخافش...مانكدبش...مانخبيش حاجة ماتتخباش علشان نلحق اي مشكلة في اولها...علمنا قوة الاسرة...اننا اقوى من اي تيار يعدى علينا...بيتنا هو الامان...العلم والثقة بالنفس هم طوق النجاة من اي حاجة...العلم والاطلاع لازم ينتج عنه ثقافة...مش ثقافة يعنى معلومات عامة...اقصد يبقى "مخنا مفتح" نستوعب حجم المشكلة الحقيقي من غير اي مبالغة...والتصرف يكون بالعقل حتى لو المشاعر في تلك المواقف كانت ضد العقل!
علمنا لازم نبص للمشكلة من فوق...لو بصينا للتفاصيل الصغيرة هانتوه...علمنا مشي على الخطوط العريضة من غير ما نغرق في التفاهات...علشان نوصل لحل.
اهتم بهواياتنا وميولنا...معارضش اختيارنا للكليات...شجعنا على التفوق بها...شجعنى على الكتابة لما بدأت كتابة القصص والروايات القصيرة ايام الجامعة...وكان بيصلح لي ترتيب الجمل وتكوينها. كنت ادرس مادة "اللغويات والصوتيات" بالكلية...كان يسهر معايا وفي ايده القاموس...يقولي اتخن كلمة موجودة في الصفحة وانا اكتب "الصوت"...بابا اهتمامة غير الصوتيات والهري ده ....بابا مهندس...ولكنه اهتم بي...وكنت كبيرة مش صغير .... كان بيحاول يخليني اتقن حاجة اصعب من المنهج...علشان الامتحان يبقى "لعب عيال" جنب اللى انا  فعلا اقدر اعمله!
لما كنا نعمل حفلات اعياد ميلادنا كان بيسيب البيت علشان نكون على راحتنا وفي اخر اليوم يوصل اصحابنا بيوتهم كمان. اصحابنا بيحبوه جدا الى الان ودائمين السؤال عنه.
لما اختار لي زوجي كنت على يقين انه على صواب (وفعلا الحمد لله كان عنده حق)...حتى حين عارض مشاريع خطوبة لي ورفضها...وزعلت اوي...كان عنده حق بجد...لما عدت السنين وشفت اللى انا كنت زعلانة انه رفضهم حمدت ربنا ودعيت له كتير...واختى كذلك!
عند مرض امى رفض ان ننهار...رفض ان نستسلم لفكرة ان هذه هي النهاية....هزنا بعنف ان ارادة الله فوق كل شئ ولكننا لا نيأس من رحمته. كان يطلعنا على جميع التفاصيل حتى لو كان مؤلمة نفسيا لنا....يشاركنا كل شئ لاننا لم نعد اطفال...يجب ان نتحمل الواقع حتى لو كان مؤلم...كان على اتم استعداد بيع كل ما يملك في سبيل شفاء امى...كان يهتم بجميع لتفاصيل....بالاكل...بالملبس...بالشرب..بالادوية...بكل شئ خاص بها...حتى كرمنا الله وخرجنا من الازمة...خرجنا لانها اراده الله طبعا...ولكننا صمدنا وكنا متكاتفين جدا.
بابا....حضرتك احسن واحد في الدنيا...اغلى حد عندي ...بتوحشني اوي وانا في بيتي...بزعل لما بمشي من بيتك...نفسي اولادي يلاقوا مثل اعلى في حياتهم زي ما انا لقيت مثل اعلى وصديق حقيقي في حياتي...نفسي طفولتهم تكون سعيدة زي طفولتي...نفسي اقدر احدد لهم طريق صح يمشوا فيه...عايزاهم يكونوا صرحاء معايا زي ما كنا معاك...اقدر اكون شخصية مؤثرة في حياتهم زي ما شكلت حياتي 
مازلت سندي في الحياة...مازلت المرجع....الاساس...الصواب...صورة الرجل كما يجب ان يكون ببيته ومع اصدقائه وعائلته...اصحابنا كانوا ومازالوا يحسدونا على والدنا.
ولقراء هذا المقال...الكلام ده مش مبالغ فيه ولكن كل اخوته وكل من قابل ابي احبه...بالعكس..هذا المقال لا يفي قدره في حياتنا ولا في قلوبنا...فابي شخص متميز ومختلف ومؤمن ومثقف ورائع بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانى....واكثر
ربنا يخليك لينا....يبارك لنا في حياتك وفي صحتك...ومانتحرمش منك ابدا....ولا من حنانك وحبك ووجود وتأثيرك علينا
امين

https://www.facebook.com/groups/329904227056535/

ريم اسامة